وَاسْتَتَرْنَ، ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الْعَادَةُ بَيْنَهُنَّ شَعِيرَةً يَتَدَيَّنُ بِهَا أَعْنِي فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَتِرُ فِي الْبَلَدِ، وَفِي الْقُبُورِ، وَالطَّرِيقِ إلَيْهَا مَكْشُوفَةُ الْوَجْهِ لَا تَسْتَتِرُ مِنْ أَحَدٍ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةٌ مِنْ الْمَفَاسِدِ مِنْهَا اجْتِمَاعُهُمْ كَمَا سَبَقَ.
الثَّانِي: انْتِهَاكُ حُرْمَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُعَظَّمَةِ، وَهَذَا الْيَوْمُ الْعَظِيمِ، وَهَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ أَعْظَمُوا الْمَعْصِيَةَ بِفِعْلِهَا عَلَى الْقُبُورِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الْخَشْيَةِ، وَالْفَزَعِ، وَالِاعْتِبَارِ، وَالْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ لِهَذَا الْمَصْرَعِ الْعَظِيمِ الْمَهُولِ أَمْرُهُ، فَرَدُّوا ذَلِكَ لِلنَّقِيضِ، وَجَعَلُوهُ فِي مَوْضِعِ فَرَحٍ وَمَعَاصٍ كَحَالِ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
الرَّابِعُ: أَذِيَّةُ الْمَوْتَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
الْخَامِسُ: قِلَّةُ احْتِرَامِهِمْ لِتَعْظِيمِ جَنَابِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالصُّلَحَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى زَعْمِهِمْ يَمْضُونَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِمْ وَيَفْعَلُونَ عِنْدَهُمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُمْ اتَّصَفُوا بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ بِصِفَةِ النِّفَاقِ؛ لِأَنَّ النِّفَاقَ صِفَتُهُ قَصْدُ الْمَعْصِيَةِ وَإِظْهَارُهَا فِي الصُّورَةِ أَنَّهَا طَاعَةٌ فَيَا لِلْعَجَبِ كَيْفَ يَقْدِرُ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَسْمَعَ بِهَذِهِ الْمُنَاكِرِ وَلَا يَتَنَغَّصُ لَهَا وَلَا يَتَشَوَّشُ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ بِقَلْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ» .
فَكَيْفَ يَتْرُكُ حَرِيمَهُ، أَوْ أَقَارِبَهُ، أَوْ مَنْ يَلُوذُ بِهِ يَخْرُجْنَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ رُكُوبِهِنَّ الدَّوَابَّ مَعَ الْمُكَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ لَهُنَّ نَصِيبٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجَنَائِزِ وَلَا الْقُبُورِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ عَلَى مَا سَبَقَ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْوَالِ الرَّدِيئَةِ فِي الْقُبُورِ حَتَّى صَارَ أَمْرُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُومُ إنْسَانٌ بِشَيْءٍ يَحْمِلُهُ كَالْقُبَّةِ عَلَى عَمُودٍ حَوْلَهَا قَنَادِيلُ كَثِيرَةٌ فَيَجْتَمِعُ لَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ النِّسَاءِ، وَالشُّبَّانِ، وَالرِّجَالِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ يَتَزَاوَرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَجْرِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مِنْ الْآفَاتِ فِي الدِّينِ، وَالدُّنْيَا مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يُقِيمُونَ خَشَبَةً عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْمَيِّتَةِ وَيَكْسُونَ ذَلِكَ الْعَمُودَ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَلِيقُ بِهِ عِنْدَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute