يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا بَيْنَ مَطْلِعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَغْرِبِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِثْلُهُ أَعْنِي بِذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ وَمَا وَقَعَ فِي شَهْرِ مَوْلِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ ظُهُورِ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ إخْمَادِ نَارِ فَارِسَ وَانْشِقَاقِ إيوَانِ كِسْرَى وَمَنْعِ الشَّيَاطِينِ مِنْ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَنُزُولِ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ لَاكْتَفَى فِي فَضِيلَتِهِ بِوُجُودِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: ٧٢] وَمَعْنَى لَعَمْرُكَ لَحَيَاتُكَ فَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِمَخْلُوقٍ إلَّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ تَعَالَى {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: ١] {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: ٢] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لَا بِمَعْنَى التَّأْكِيدِ. وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّمَا تَكُونُ لَا لِلتَّأْكِيدِ إذَا عُدِمَتْ الْفَائِدَةُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا لَفْظَةُ لَا وَالْفَائِدَةُ مَوْجُودَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: ١] مَعْنَاهُ أَيُّ قَدْرٍ وَأَيُّ خَطَرٍ لِهَذَا الْبَلَدِ حَتَّى يُقْسَمَ بِهِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهِ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ وَالْخَطَرُ لَكَ فَأَنْتَ الَّذِي يُقْسَمُ بِكَ لِعَظِيمِ جَاهِكَ وَحُرْمَتِكَ عِنْدَنَا. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى سِرِّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْجَلِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إذْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَلَدِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَكَّةُ اتِّفَاقًا، وَمَكَّةُ قَدْ تَظَافَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى تَفْضِيلِهَا. فَإِذَا كَانَتْ مَكَّةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ الْفَضِيلَةِ الْعُظْمَى وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقْسِمُ بِهَا مَعَ وُجُودِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا إذْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالشَّمْسِ لَا تَظْهَرُ الْكَوَاكِبُ مَعَهَا بَلْ هُوَ الَّذِي كُسِيَتْ الْأَكْوَانُ مِنْ بِهَاءِ نُورِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ مَنْ مَدَحَهُ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ الْجَمِيلَةِ حَيْثُ يَقُولُ
إلَى الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ أَحْمَدُ قَدْ دَنَا ... وَنُورُهُمَا مِنْ نُورِهِ يَتَلَأْلَأُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute