للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَوْضِعُ مَقَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَائِمًا لَا يُوَازِيهِ غَيْرُهُ وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ الْأَدِلَّةُ بِالْفَضِيلَةِ الْعُظْمَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَبِهَذَا الْمَعْنَى وَمَا شَابَهَهُ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ فَاضِلٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ أَفْضَلُ فَإِنَّك إذَا قُلْت مَثَلًا الشَّمْسُ أَكْثَرُ ضَوْءًا مِنْ الْبَدْرِ السَّالِمِ مِنْ كُلِّ مَا يَعْتَرِيهِ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إذْ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ شَارَكَهَا الْبَدْرُ فِي بَعْضِ الضِّيَاءِ لَكِنْ لِلشَّمْسِ زِيَادَةُ ضِيَاءٍ أَضْعَافُ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ فَضِيلَةُ الشَّمْسِ عَلَى الْبَدْرِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَإِذَا فَضَلَتْ عَلَى الْبَدْرِ فَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَالْبَدْرُ يَفْضُلُ عَلَى مَا دُونَهُ فِي الضِّيَاءِ وَالْجُرْمِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَدِينَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ مُقَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيًّا وَمَيِّتًا الَّتِي قَدْ خُصَّتْ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكْرَمُ مِنْ غَيْرِهَا بِوُجُودِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ مَكَّةَ مَعَ عَظِيمِ قَدْرِهَا لَمْ يُقْسِمْ بِهَا لِأَجْلِ حُلُولِهِ إذْ ذَاكَ بِهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَفْضُلَ مَوْضِعًا حَلَّ فِيهِ وَأَقَامَ بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا فَكَيْفَ يَفْضُلُهُ غَيْرُهُ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ فِي وُجُودِ الْفَضِيلَةِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الِاحْتِرَامِ لِرَفِيعِ جَنَابِهِ الْعَزِيزِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ. وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ فَضَائِلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ دُفِنَ إلَّا وَقَدْ رُفِعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ غَيْرِي فَإِنِّي سَأَلْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ بِأَحَدِ الْحَرَمَيْنِ كُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَسَوَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُمَا فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَصَّصَ الْمَدِينَةَ بِالذِّكْرِ وَحَضَّ عَلَى مُحَاوَلَةِ ذَلِكَ بِالِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا» وَالِاسْتِطَاعَةُ هِيَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي ذَلِكَ فَزِيَادَةُ عِنَايَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِفْرَادِ الْمَدِينَةِ بِالذِّكْرِ دَلِيلٌ عَلَى تَمْيِيزِهَا.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>