كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِالصَّانِعِ يَبِيتُ عِنْدَهُ فَيَقْلِيهَا لَيْلًا حَتَّى لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ إلَّا وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ فَيُرْسِلُونَ مِنْهَا لِمَنْ يَخْتَارُونَ وَيَجْمَعُونَ الْأَقَارِبَ وَالْأَصْحَابَ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ عِيدٌ بَيْنَهُمْ.
ثُمَّ يَأْكُلُونَ فِيهِ الْبِطِّيخَ الْأَخْضَرَ وَالْخَوْخَ وَالْبَلَحَ إذَا وَجَدُوهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُلْزِمُهُ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ اكْتَسَبْنَ ذَلِكَ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْقِبْطِ وَمُخَالَطَتِهِنَّ بِهِمْ فَأَنِسْنَ بِعَوَائِدِهِمْ الرَّدِيئَةِ. ثُمَّ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَفْعَالًا قَبِيحَةً مُسْتَهْجَنَةً شَرْعًا وَطَبْعًا. فَمِنْ ذَلِكَ مُضَارَبَتُهُمْ بِالْجُلُودِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ أَكْلِهِمْ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ. فَبَعْضُ مَنْ لَهُ رِيَاسَةٌ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي بُيُوتِهِمْ، أَوْ فِي بَسَاتِينِهِمْ. وَبَعْضُ مَنْ لَا يَسْتَحْيِ، أَوْ لَيْسَ لَهُ رِيَاسَةٌ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الطُّرُقِ وَالْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ وَعَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْمُرُورِ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ صَارَ ذَلِكَ أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَهُمْ حَتَّى إنَّ الْوَالِيَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَحْكُمُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ زَهَقَتْ نَفْسُهُ بِضَرْبِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ سُلِبَ مَا مَعَهُ كَأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ نَهَبُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ أَعْنِي مَنْ وَجَدُوهُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ. وَهَذَا الْيَوْمُ شَبِيهٌ بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِي يَوْمِ كَسْرِ الْخَلِيجِ وَهُمَا خَصْلَتَانِ مِنْ خِصَالِ فِرْعَوْنَ بَقِيَتَا فِي آلِهِ وَهُمْ الْقِبْطُ فَسَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ جَرَّ ذَلِكَ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ السَّفَلَةِ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يُخَبِّئُ لَهُ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَيَأْخُذُ جِلْدَةً، أَوْ غَيْرَهَا فَيَجْعَلُ فِيهَا حَجَرًا، أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُمْكِنُ الْقَتْلُ بِهِ فَيَضْرِبُ بِهِ عَدُوَّهُ عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ فَيَهْلِكُ فَيَذْهَبُ دَمُهُ هَدَرًا لَا يُؤْخَذُ لَهُ بِثَأْرٍ لِأَجْلِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَلَيْتَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي عَامَّةِ النَّاسِ بَلْ سَرَى ذَلِكَ إلَى بَعْضِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فَتَرَى الْمَدَارِسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا تُؤْخَذُ فِيهَا الدُّرُوسُ أَلْبَتَّةَ.
وَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ بَلْ تَجِدُ بَعْضَ الْمَدَارِسِ مُغْلَقَةً فَيَلْعَبُونَ فِيهَا حَتَّى لَوْ جَاءَهُمْ الْمُدَرِّسُ، أَوْ غَيْرُهُ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَأَسَاءُوا الْأَدَبَ فِي حَقِّهِ وَرُبَّمَا أَخْرَقُوا الْحُرْمَةَ وَأَلْقَوْهُ فِي الْفَسْقِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute