للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ قَارَبُوا ذَلِكَ، أَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِخْرَاقِ بِهِ بِدَرَاهِمَ يَأْخُذُونَهَا مِنْهُ تَقْرُبُ مِنْ الْغَصْبِ الَّذِي يَبْحَثُونَ فِيهِ فِي مَجَالِسِهِمْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا فَيَأْكُلُونَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا فَرْعَ، وَهَذِهِ خِصَالٌ مُسْتَهْجَنَةٌ مِنْ الْعَوَامّ فَكَيْفَ يَفْعَلُهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، أَوْ مَنْ يَزْعُمُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمُشَارَ إلَيْهِ حَصَلَتْ لَهُ غَيْرَةُ أَهْلِ الدِّينِ كَمَا يَزْعُمُ لَغَيَّرَ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَزَجَرَهُمْ عَنْهُ إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ مَا فَلَوْ قَالَ امْنَعُوا هَذَا أَنْ يَدْخُلَ الْمَدْرَسَةَ، أَوْ أَخْرِجُوهُ مِنْهَا، أَوْ لَا يَحْضُرُ فِي مَجْلِسِي، أَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمْ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ فِيك قِلَّةَ هَذَا الْأَدَبِ، أَوْ أَنْتُمْ لَا تَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْمُرُوءَةِ مِنْ الْعَوَامّ، أَوْ مَنْ لَهُ حَسَبٌ وَنَسَبٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، أَوْ مِثْلُكُمْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، أَوْ لَا كَثَّرَ اللَّهُ مِنْكُمْ، أَوْ أَدَّبَ بَعْضَ أَكَابِرِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَانْزَجَرَ مَنْ دُونَهُ عَنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ التَّأَنِّي وَالتَّوَاضُعِ فِي الْعِشْرَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّيَاسَةِ وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَيْسَتْ الرِّيَاسَةُ بِمَا تُسَوِّلُ النُّفُوسُ، وَإِنَّمَا هِيَ بِالِاتِّبَاعِ لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ وَآدَابِهَا الْحَسَنَةِ وَأَخْلَاقِهَا الْجَمِيلَةِ.

وَلَوْ تَأَمَّلَ هَذَا مَنْ وَقَعَ فِيهِ لَحَقَّ لَهُ الْبُكَاءُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِهِ إذْ أَنَّهُ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ وَالتَّغْيِيرِ، وَهُوَ التَّغْيِيرُ بِالْقَلْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ وَبِاللِّسَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ وَبِالْقَلْبِ لِلْعَوَامِّ. وَهَذَا قَدْ نَزَلَ عَنْ رُتْبَتِهِ الَّتِي هِيَ التَّغْيِيرُ بِاللِّسَانِ بَلْ تَرَكَ رُتْبَةَ الْعَوَامّ الَّتِي هِيَ التَّغْيِيرُ بِالْقَلْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ» انْتَهَى. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى بَلِيَّةِ هَذِهِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَقُوَّةِ سَرَيَانِ سُمِّهَا فِي الْقُلُوبِ كَيْفَ أَوْقَعَتْ هَذَا الْعَالِمَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْعَظِيمَةِ فَتَرَكَ التَّغْيِيرَ وَكَانَ سَهْلًا عَلَيْهِ بِأَدْنَى إشَارَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>