إلَيْهِمْ، وَإِنَّ الْقَصَصَ لَبِدْعَةٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرَاهَةُ الْقَصَصِ مَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: خَرَجَ مَعَنَا فَتًى مِنْ طَرَابُلُسَ إلَى الْمَدِينَةِ فَكُنَّا لَا نَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَّا وَعَظَنَا فِيهِ حَتَّى بَلَغْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ إذَا هُوَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا كَانَ يَفْعَلُ بِنَا، فَرَأَيْته مِنْ سِمَاطِ أَصْحَابِ التَّيَقُّظِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ لَهَوْا عَنْهُ، وَالصِّبْيَانُ يَحْصِبُونَهُ، وَيَقُولُونَ لَهُ: اُسْكُتْ يَا جَاهِلُ فَوَقَفْت مُتَعَجِّبًا مِمَّا رَأَيْت فَدَخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ الْفَتَى فَقَالَ مَالِكٌ: أَصَابَ الرِّجَالُ إذْ لَهَوْا عَنْهُ، وَأَصَابَ الصِّبْيَانُ إذْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ بَاطِلَهُ، وَقَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يُكَرِّهُ الْقَصَصَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَإِذًا تَكْرَهُ مِثْلَ هَذَا فَعَلَامَ كَانَ يَجْتَمِعُ مَنْ مَضَى؟ فَقَالَ: عَلَى الْفِقْهِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ انْتَهَى.
وَقَوْلُ مَالِكٍ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَابَ الرِّجَالُ إذْ لَهَوْا عَنْهُ، وَأَصَابَ الصِّبْيَانُ إذْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ بَاطِلَهُ إنَّمَا صَوَّبَ فِعْلَ الرِّجَالِ لِكَوْنِ الصِّبْيَانِ قَدْ كَفَوْهُمْ مُؤْنَةَ التَّغْيِيرِ، فَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْ الصِّبْيَانُ لَبَادَرُوا إلَى التَّغْيِيرِ، وَمِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ الْقَصَصَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعْنِي أَدْعُو اللَّهَ، وَأَقُصُّ، وَأُذَكِّرُ النَّاسَ فَقَالَ عُمَرُ: لَا فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ: أَنَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَاعْرِفُونِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ الطُّرْطُوشِيُّ قَالَ مَالِكٌ: وَنَهَيْت أَبَا قُدَامَةَ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَيَقُولَ افْعَلُوا كَذَا، وَكَذَا، وَقَالَ أَبُو إدْرِيسَ: لَأَنْ أَرَى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ نَارًا تُؤَجَّجُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى فِي نَاحِيَتِهِ قَاصًّا يَقُصُّ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: لَمْ يُقَصَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى ظَهَرَتْ الْفِتْنَةُ، وَظَهَرَ الْقُصَّاصُ، وَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ أَخْرَجَ الْقُصَّاصَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَا يُقَصُّ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي عُلُومِ الْأَعْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute