فَاسْتَمَعَ إلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ. وَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ إلَى مَجْلِسِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ قَاصًّا يَقُصُّ فَوَجَّهَ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ أَنْ أَخْرِجْهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَخْرَجَهُ.
وَقِيلَ لِابْنِ سِيرِينَ: لَوْ قَصَصْت عَلَى إخْوَانِك فَقَالَ: قَدْ قِيلَ: لَا يَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ إلَّا أَمِيرٌ، أَوْ مَأْمُورٌ، أَوْ أَحْمَقُ، وَلَسْت بِأَمِيرٍ، وَلَا مَأْمُورٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الثَّالِثَ انْتَهَى.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَقُصُّ إلَّا أَمِيرٌ، أَوْ مَأْمُورٌ، أَوْ مُخْتَالٌ» انْتَهَى.
وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ أَيْضًا: قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: رَأَيْت سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ يَسْتَاكُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَقَاصًّا يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْك فَقَالَ: الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا هُمْ فِيهِ أَنَا فِي سُنَّةٍ، وَهُمْ فِي بِدْعَةٍ، وَلَمَّا أَنْ دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ الْبَصْرَةَ نَظَرَ إلَى قَاصٍّ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: فَتَوَسَّطَ الْأَعْمَشُ الْحَلْقَةَ، وَجَعَلَ يَنْتِفُ شَعْرَ إبْطَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَاصُّ: يَا شَيْخُ أَلَا تَسْتَحِي نَحْنُ فِي عِلْمٍ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَشُ: الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِنْ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ قَالَ: كَيْفَ فَقَالَ: لِأَنِّي فِي سُنَّةٍ، وَأَنْتَ فِي كَذِبٍ، أَنَا الْأَعْمَشُ، وَمَا حَدَّثْتُك مِمَّا تَقُولُ شَيْئًا، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذِكْرَ الْأَعْمَشُ انْفَضُّوا عَنْ الْقَاصِّ، وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهُ، وَقَالُوا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْذَبُ النَّاسِ الْقُصَّاصُ، وَالسُّؤَالُ، وَمَا أَحْوَجَ النَّاسَ إلَى قَاصٍّ صَدُوقٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمَوْتَ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ قِيلَ لَهُ: أَكُنْت تَحْضُرُ مَجَالِسَهُمْ قَالَ لَا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ: وَحُضُورُ الرَّجُلِ مَجَالِسَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَصَلَاتُهُ أَفْضَلُ مِنْ حُضُورِهِ مَجَالِسَ الْقُصَّاصِ، وَرُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «حُضُورُ مَجْلِسِ عِلْمٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ» ، وَفِي الْخَبَرِ «لَأَنْ يَتَعَلَّمَ أَحَدُكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ، أَوْ يُعَلِّمَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ» ، وَفِي خَبَرٍ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute