للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْخَطَّيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ حُكْمٌ لَقُلْت: إنَّ أَحَدَهُمَا أَحْسَنُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يُحْشَرُ الْحَاكِمُ، وَيَدَاهُ مَغْلُولَتَانِ إلَى عُنُقِهِ لَا يَفُكُّهُمَا إلَّا عَدْلُهُ» ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُحْشَرَ مَغْلُولَ الْيَدَيْنِ) ، أَوْ كَمَا قَالَ، وَلَمْ يَزَلْ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - يَهْرُبُونَ مِنْهُ الْهَرَبَ الْكُلِّيَّ حَتَّى قَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تَوَلَّاهُ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى رُفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَقَدْ جَرَى لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَقَالَ: إنِّي لَا أَصْلُحُ فَقِيلَ لَهُ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ قَالُوا لِمَ قَالَ: لِأَنِّي بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ أَكُونَ صَادِقًا فِيمَا قُلْته فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُوَلُّوا مَنْ لَا يَصْلُحُ، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُوَلُّوا كَاذِبًا فَتَرَكُوهُ.

وَحِكَايَتُهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَكَانُوا يَعُدُّونَ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ مِنْ الِابْتِلَاءِ، وَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُمْ قَدْ يَهْجُرُونَ بَعْضَ مَنْ تَوَلَّى مِنْ مَعَارِفِهِمْ، وَقَدْ جَرَى لِسَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الزَّيَّاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا أَنْ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ مَا قَدْ ذُكِرَ، وَقَدْ جَرَى لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إفْرِيقِيَّةَ لَمَّا أَنْ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا لِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ لِاسْتِخْلَاصِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالُوا: وَلِمَ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُوصِلَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْمَذْهَبِ قَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ.

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لَهُ فَلَمَّا أَنْ طَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ عَمِلُوا حِسَابَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ، فَوَجَدُوهُ مَالًا كَثِيرًا فَشَحُّوا بِإِخْرَاجِهِ فَتَرَكُوهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي لِمَنْ وَلِيَ أَيَّ خُطَّةٍ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَفْسِهِ فِي يَوْمِ عَزْلِهِ مِنْهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَوْلِيَتِهِ انْتَهَى.

وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى يَوْمِ تَوْلِيَتِهِ هَلَكَ فِي الْغَالِبِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، وَإِذَا نَظَرَ إلَى يَوْمِ عَزْلِهِ سَلِمَ فِي الْغَالِبِ.

وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>