لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْغُنْيَةِ لَقَالَ: يَتَغَانَى بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ يَتَغَنَّى بِهِ ذَهَبَ إلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَلِيمِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيِّ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» .
الْأَزِيزُ بِزَاءَيْنِ صَوْتُ الرَّعْدِ وَغَلَيَانُ الْقِدْرِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَؤُمُّ بِالنَّاسِ فَطَرَّبَ فِي قِرَاءَتِهِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ سَعِيدٌ يَقُولُ: أَصْلَحَك اللَّهُ إنَّ الْأَئِمَّةَ لَا تَقْرَأُ هَكَذَا فَتَرَكَ عُمَرُ التَّطْرِيبَ بَعْدُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّبْرِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَأَنْكَرَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهِ.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنٌ يُطَرِّبُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الْأَذَانَ سَهْلٌ سَمْحٌ فَإِنْ كَانَ أَذَانُك سَهْلًا سَمْحًا وَإِلَّا فَلَا تُؤَذِّنْ» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ فَأَحْرَى أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي حَفِظَهُ الرَّحْمَنُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ: وَقَوْلُهُ الْحَقُّ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ - لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤١ - ٤٢] .
قَالَ أَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ أَيْ: زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ كَمَا قَالُوا: عَرَضْت الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَرَضْت النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ: وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ فَقَدَّمَ الْأَصْوَاتَ عَلَى الْقُرْآنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَاهُ طَلْحَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute