قَالَ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» .
أَيْ: الْهَجُوا بِقِرَاءَتِهِ وَاشْغَلُوا بِهِ أَصْوَاتَكُمْ وَاتَّخِذُوهُ شِفَاءً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالدَّأْبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " حَسِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ ") .
ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْقُرْآنَ يُزَيَّنُ بِالْأَصْوَاتِ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ هَذَا فَقَدْ وَاقَعَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَهُوَ أَنْ يُحْوِجَ الْقُرْآنَ إلَى مَنْ يُزَيِّنُهُ كَيْفَ، وَهُوَ النُّورُ وَالضِّيَاءُ وَالزَّيْنُ الْأَعْلَى لِمَنْ أُلْبِسَ بَهْجَتَهُ وَاسْتَنَارَ بِضِيَائِهِ؟ ثُمَّ قَالَ: إنَّ فِي التَّرْجِيعِ وَالتَّطْرِيبِ هَمْزَ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ وَمَدَّ مَا لَيْسَ بِمَمْدُودٍ فَتَرْجِعُ الْأَلِفُ الْوَاحِدَةُ أَلِفَاتٍ كَثِيرَةً فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى زِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ مَوْضِعَ نَبْرَةٍ صَيَّرَهَا نَبَرَاتٍ وَهَمَزَاتٍ وَالنَّبْرَةُ حَيْثُمَا وَقَعَتْ مِنْ الْحُرُوفِ فَإِنَّمَا هِيَ هَمْزَةٌ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرَ إمَّا مَمْدُودَةٌ، وَإِمَّا مَقْصُورَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسِيرٍ لَهُ عَامَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ» . وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
، وَقَالَ: فِي صِفَةِ التَّرْجِيعِ (آآ آ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُلْنَا: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى إشْبَاعِ الْمَدِّ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةُ صَوْتِهِ عِنْدَ هَزِّ الرَّاحِلَةِ كَمَا يَعْتَرِي رَافِعَ صَوْتِهِ إذَا كَانَ رَاكِبًا مِنْ انْضِغَاطِ صَوْتِهِ وَتَقْطِيعِهِ وَضِيقِهِ لِأَجْلِ هَزِّ الْمَرْكُوبِ، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُبْهِمْ مَعْنَى الْقُرْآنِ بِتَرْدِيدِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّرْجِيعَاتِ فَإِذَا زَادَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ فَذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ أَمَامَ الْمُلُوكِ وَالْجَنَائِزِ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِمَا الْأُجُورَ وَالْجَوَائِزَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ وَخَابَ عَمَلُهُمْ فَيَسْتَحِلُّونَ بِذَلِكَ تَغْيِيرَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُهَوِّنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ الِاجْتِرَاءَ عَلَى اللَّهِ بِأَنْ يَزِيدُوا فِي تَنْزِيلِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ جَهْلًا بِدِينِهِمْ وَمُرُوقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute