تَارَةً يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاضْطِرَارِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاخْتِيَارِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْهُ مَا هُوَ اضْطِرَارٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ اخْتِيَارٌ، وَرَأْسُ مَالِ الْمُؤْمِنِ إنَّمَا هُوَ عُمُرُهُ، فَإِنْ عَمَّرَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ رَبِحَ عُمُرَهُ، وَزَكَا فَشَرَعَ لَهُ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ الْوُضُوءَ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ، لِكَيْ يَخْتَبِرَ بِهِ النَّوْمَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هُوَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ ضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ فَهُوَ لَا يُذْهِبُهُ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الِاخْتِيَارِ وَالرَّاحَةِ فَالْوُضُوءُ يُذْهِبُهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ النَّوْمَ هُوَ الْمَوْتُ الْأَصْغَرُ فَشُرِعَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَالْمَيِّتِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ فَتُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ لِكَيْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّوْمَ إذَا وَقَعَ عَقِبَ طَهَارَةٍ اجْتَزَأَ الْمُكَلَّفُ مِنْهُ بِالْقَلِيلِ لِأَجْلِ بَرَكَةِ الِاتِّبَاعِ فَتَوَفَّرَ عَلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ، وَهُوَ عُمُرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ يَقْرَأُ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي كَفَّيْهِ، وَيَنْفُثُ فِيهِمَا، وَيُمَشِّيهِمَا عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ يَتَعَرَّى كَمَا سَبَقَ، وَيَدْخُلُ فِي فِرَاشِهِ فَيَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْأَيْمَنِ، بَلْ نَفْسُ الدُّخُولِ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ التَّيَمُّنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْأَيْمَنِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي الدُّخُولِ عَلَى الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَدْخُلَ عَلَى الْجَنْبِ الْآخَرِ؛ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اشْتَكَى مَرَّةً بِنَزْلَةٍ نَزَلَتْ لَهُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شِدَّةٌ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ إلَى الْفِرَاشِ لِيَضْطَجِعَ صَعُبَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى الْأَيْسَرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، ثُمَّ وَقَعَ لَهُ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَكَةُ الِامْتِثَالِ ثُمَّ يَنْقَلِبَ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فِي الْوَقْتِ قَالَ: فَاضْطَجَعْت عَلَى الْأَيْمَنِ بِعَزِيمَةٍ فَوَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ هَلْ الْأَلَمُ ارْتَفَعَ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِي إلَى الْوِسَادَةِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute