عَلَيْهِ التَّقْلِيبَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِيهِ إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ التَّمَتُّعِ بِالْأَهْلِ بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَلِّ لَيْسَ إلَّا، إذْ أَنَّ الرَّجُلَ ثِيَابُهُ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةَ مِثْلُهُ، وَفِيهِ التَّوَاضُعُ، وَفِيهِ امْتِثَالُ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَالنَّوْمُ فِي الثَّوْبِ هُوَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي عُمُرُهُ سَنَةٌ إذَا نَامَ فِيهِ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ قِلَّةُ الدَّوَابِّ، وَفِيهِ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ السُّنَّةِ، وَهِيَ النَّظَافَةُ إذْ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يُنَامُ فِيهِ يَكْثُرُ فِيهِ هَوَامُّ بَدَنِهِ، وَيَتَقَذَّرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي النَّوْمِ وَحَالَتِهِ فِيهِ إذْ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ حَاضِرُ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ مُتَكَلِّمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ آمِرٌ نَاهٍ مُدَبِّرٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، ثُمَّ تَأْتِي عَلَيْهِ عَاهَةُ النَّوْمِ لَا يَشْعُرُ بِهَا مِنْ أَيْنَ أَتَتْهُ، وَلَا يُكَيِّفُهَا فَيَتْرُكُ الْمَلِكُ مُلْكَهُ، وَتَدْبِيرَهُ، وَسِيَاسَتَهُ فِيهِ، وَالْعَالِمُ عِلْمَهُ، وَالْمُحْتَرِفُ حِرْفَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي شَيْءٍ، وَعَزَمَ عَلَى فِعْلِهِ تَرَكَهُ قَهْرًا لِأَجْلِ هَذِهِ الْعَاهَةِ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ مُجْبَرًا عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ سَبِيلٌ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَلَا دَفْعِهِ عَنْهُ فَسُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ.
وَهَذَا مُتَكَرِّرٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ الْمُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ، وَالدَّالُّ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: ٤٢] كُلُّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ، وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَنْظُرُ وَيَعْتَبِرُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] بَيْنَمَا هُوَ مُسْتَيْقِظٌ مُدَّعٍ لِلْقُوَّةِ، وَالسَّطْوَةِ إذْ أَتَاهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَسِيلُ لُعَابُهُ، وَتَنْحَلُّ أَعْضَاؤُهُ، وَيُحْدِثُ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِنَفْسِهِ، وَالْغَالِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَبْقَى مُثْلَةً إذْ ذَاكَ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ مِنْ الْأَدَبِ فِي النَّوْمِ أَنْ لَا يَنَامَ بَيْنَ مُسْتَيْقِظِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: ٥] قَالَ الْعُلَمَاءُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute