للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حِينِ قَتْلِهَا إلَى حِينِ إلْقَائِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَمِنْ الطُّرْطُوشِيِّ: وَكَرِهَ مَالِكٌ قَتْلَ الْقَمْلَةِ وَرَمْيَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَطْرَحُهَا مِنْ ثَوْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَقْتُلُهَا بَيْنَ النَّعْلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى.

وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُصَلِّي إذَا أَخَذَ قَمْلَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَإِذَا رَمَاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ بِالْحَيَاةِ فَإِمَّا أَنْ تَمُوتَ جُوعًا أَوْ تَضْعُفَ وَكِلَاهُمَا عَذَابٌ لَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْقِتْلَةِ.

وَشَأْنُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُلَهَا لِمَكَانٍ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ يَرْبِطَهَا فِي طَرَفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا الْبُرْغُوثُ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُلْقِيهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّ الْبُرْغُوثَ لَا يَقْعُدُ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ بَلْ يَنْتَقِلُ فِي الْغَالِبِ وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ هَذَا وَجْهٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ خُلِقَ وَيَعِيشُ فِيهِ بِخِلَافِ الْقَمْلَةِ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ دَمِ الْإِنْسَانِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سَيِّدِي حَسَنٍ الزُّبَيْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا مَعَ أَصْحَابِهِ إلَى بُسْتَانِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَذْهَبُوا إلَى الْبُسْتَانِ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ رُجُوعِهِ فَقَالَ: كَانَ عَلَيَّ قَمِيصٌ نَسِيتُهُ فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ دَوَابُّ فَخِفْتُ أَنْ يَمُوتُوا جُوعًا فَرَجَعْتُ إمَّا أَنْ أَقْتُلَهُمْ وَإِمَّا أَنْ أَلْبَسَهُ. وَهَذَا الْأَمْرُ قَدْ كَثُرَ وَفَشَا سِيَّمَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَتَرَى الْغُرَبَاءَ يَأْتُونَ إلَيْهِ بِدُلُوقٍ تَغْلِي قَمْلًا فَيُجَرِّدُونَهَا عَنْهُمْ وَيُلْقُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَتَحُسُّ بِحَرَارَةِ الشَّمْسِ فَتَخْرُجُ مِنْ الثَّوْبِ وَتَمُوتُ بِحَرِّ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَنْفُضُ أَحَدُهُمْ دَلْقَهُ وَيَلْبَسُهُ وَتَبْقَى الدَّوَابُّ كُلُّهَا مَيِّتَةً فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا كَانَ إمَامُ الْمَسْجِدِ يَنْهَى عَنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ تَنَبَّهَ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَرَكُوهُ وَغَيَّرُوهُ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَيَنْهَى النَّاسَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ الْمَطْبُوخِ بِالْبَصَلِ أَوْ الثُّومِ أَوْ الْكُرَّاثِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نِيئًا فَهُوَ مَوْضِعُ النَّهْيِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>