للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ذُكِرَ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا خَرَجَ بِمَا تَقَدَّمَ فَمَا وَافَقَ مِمَّا نَوَاهُ بَادَرَ إلَيْهِ يَفْتَرِسُهُ فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَمَا لَمْ يُوَافِقْهُ فِي الْوَقْتِ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ النِّيَّةِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوْقَعَ اللَّهُ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ» .

وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: انْوُوا بِنَا حَجًّا انْوُوا بِنَا جِهَادًا انْوُوا بِنَا رِبَاطًا وَجَعَلَ يُعَدِّدُ لَهُمْ أَنْوَاعَ الْبِرِّ وَكَثُرَ فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدَنَا كَيْفَ وَأَنْتَ عَلَى هَذَا الْحَالِ؟ فَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ عِشْنَا وَفَّيْنَا وَإِنْ مُتْنَا حَصَلَ لَنَا أَجْرُ النِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي النِّيَّةِ وَتَنْمِيَتِهَا بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالْغَافِلُ الْمِسْكِينُ صَحِيحٌ مُعَافًى، وَهُوَ فِي عَمًى عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ سَاهٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَمَلِهِ لَكِنْ إذَا نَوَى مَا ذُكِرَ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا مَهْمَا قَدَرَ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ اتِّسَاعِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ فَعَلَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] فَيَقَعُ فِي الْمَقْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

فَإِذَا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَبَقَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَحَدٍ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَيَقَعُ فِي الْبَلِيَّةِ الْعُظْمَى فَكَانَ تَرْكُهُ لِزِيَادَةِ تِلْكَ النِّيَّاتِ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْعُجْبَ مُحْبِطٌ لِلْأَعْمَالِ إذَا صَحَّتْ فَكَيْفَ بِهِ فِي عَمَلٍ لَمْ يُعْرَفْ صِحَّتُهُ مِنْ سَقَمِهِ؟ ، بَلْ يَخْرُجُ مُحْسِنَ الظَّنِّ بِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ يُسِيءُ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ فَيَتَّهِمُ نَفْسَهُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ الشَّرَّ، وَيَعْتَقِدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ إذَا رَآهُ يَفْعَلُ الشَّرَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَظُنُّهُ مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِبَرَكَاتِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ سِرِّهِ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ أَصْحَابِهِ بِمَوْضِعٍ فَرُمِيَ عَلَيْهِ مِنْ كُوَّةِ دَارٍ رَمَادٌ فَأَرَادَ أَصْحَابُهُ أَنْ يُعَنِّفُوا أَهْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا هَذِهِ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَأْلٌ حَسَنٌ لِمَنْ اسْتَحَقَّ النَّارَ ثُمَّ صُفِحَ عَنْهُ، وَوَقْعُ الصُّلْحِ عَلَى الرَّمَادِ رَحْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَقِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>