الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ الْأَذَانَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَلَّفَهُمْ الْمَشْيَ بِإِذْنِهِ إلَى أَنْ أَتَوْا سِيَّمَا الْغَرِيبُ الَّذِي هُوَ عَابِرُ سَبِيلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ أُذِّنَ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بَرِّيَّةٍ فَمَنْ أَتَى إلَيْهِ صَلَّى مَعَهُ.
وَهَذَا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ بَابِ الْمَنْدُوبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ اعْتَنَى بِهِ «يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى.
وَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْبِدْعَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتِمَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَدَبَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ هَذَا وَهُوَ حَرَامٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لِلْمُؤَدِّبِ غَيْظٌ مَا عَلَى الصَّبِيِّ شَتَمَهُ وَتَعَدَّى بِذَلِكَ إلَى وَالِدَيْهِ وَرُبَّمَا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَذْفٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي خُلُقِهِ حِدَّةٌ أَوْ فِيهِ غِلْظَةٌ وَفَظَاظَةٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا أَدْرَكَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ لَا يُؤَدِّبَ الصَّبِيَّ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ بَلْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْكُنَ غَيْظُهُ وَيَذْهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّبُهُ الْأَدَبَ الشَّرْعِيَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّبَهُ فِي حَالِ غَيْظِهِ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَدَّى الْأَدَبَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» وَعَدَاهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إلَى كُلِّ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ كَحَقْنَةٍ بِبَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْمُؤَدِّبِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْكِبَارِ وَهَذَا يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّغَارِ وَحَامِلُ الْقُرْآنِ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ فَيُقِيمُ الْأَدَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَنَاوَلَ عِرْضَهُ وَلَا شَتَمَ أَبَوَيْهِ بَلْ يُؤَدِّبُهُ كَمَا يُؤَدِّبُهُ وَالِدَاهُ وَهُمَا يَرْحَمَانِهِ وَيُشْفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَذُبَّانِ عَنْهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْآبَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا لِأَوْلَادِهِمْ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَزْهَدُ وَأَتْقَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ رَضَاعٌ ثَانٍ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ رَضَاعِ الْأُمِّ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَفْعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute