للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْمَكْتَبِ الَّذِي يَقْرَءُونَ فِيهِ كِتَابَ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهِ شَرِيعَةَ نَبِيِّهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَذْهَبُونَ بِهِمْ إلَى كُتَّابِ النَّصَارَى لِتَعْلِيمِ الْحِسَابِ وَهَذَا رَضَاعٌ ثَالِثٌ بَعْدَ رَضَاعِ الْمُؤَدِّبِ. وَقَدْ قِيلَ الرَّضَاعُ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ قَبِيحٌ مِنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ الْإِيمَانِ بَعْدُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَعْرِفْ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ.

وَقَدْ تَسْبِقُ إلَيْهِ الدَّسَائِسُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ أَوْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا ثُمَّ إنَّ النَّصْرَانِيَّ مَعَ ذَلِكَ يُؤَدِّبُهُ عَلَى مَا يَخْطُرُ لَهُ وَيَمُرُّ بِبَالِهِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ تَعْلِيمِهِ الْحِسَابَ وَهَذَا لَا يَرْضَى بِهِ عَاقِلٌ وَلَا مَنْ فِيهِ مُرُوءَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا السِّنِّ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُلْقَى إلَيْهِ مِثْلُ الشَّمْعِ أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت عَلَيْهِ طُبِعَ فِيهِ فَيُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَيَرْجِعُ مَكَانُ الصِّدْقِ كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَمَوْضِعُ النَّصِيحَةِ غِشًّا وَخَدِيعَةً وَمَوْضِعُ الْأُلْفَةِ بِالْمُسْلِمِينَ انْقِطَاعًا وَوَحْشَةً وَمَكَانُ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ خُبْثًا وَمُدَاهَنَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكْرِهِمْ وَخِصَالِهِمْ الرَّدِيئَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَنَ إلَى قَوْلِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ إلَى شَيْءٍ مَا مِنْ اعْتِقَادِهِ أَوْ اسْتِحْسَانِ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُمَكِّنْ زَائِغَ الْقَلْبِ مِنْ أُذُنَيْك لَا تَدْرِي مَا يَعْلَقُكَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَقَدْ سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَدَرِ فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِهِ فَكَانَ يَأْتِي إخْوَانَهُ الَّذِينَ اسْتَصْحَبَهُمْ فَإِذَا نَهَوْهُ قَالَ كَيْفَ بِمَا عَلِقَ قَلْبِي لَوْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ رَاضٍ أَنْ أُلْقِيَ نَفْسِي مِنْ فَوْقِ هَذِهِ الْمَنَارَةِ لَفَعَلْت.

وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يُعْذَرُ مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى بِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ اجْتَهَدُوا فِي التَّأْوِيلِ فَلَمْ يُعْذَرُوا إذْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلِهِمْ عَنْ الصَّحَابَةِ فَسَمَّاهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْأَصْبَهَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>