للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ حَالُهُ عِنْدَ الْوُفُودِ عَلَى رَبِّهِ عِنْدَ ظُهُورِ السَّرَائِرِ وَالْمُخَبَّآتِ؟ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْإِحْيَاءِ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُك وَالْمَالُ تَحْرُسُهُ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، وَالْمَالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالنَّفَقَةِ.

قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْمُجَاهِدِ، وَإِذَا مَاتَ الْعَالِمُ انْثَلَمَتْ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا إلَّا خَلْفٌ مِنْهُ» .

وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزَّ مِنْ الْعِلْمِ الْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ وَالْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ عَلَى الْمُلُوكِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُيِّرَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَالِ وَالْمُلْكِ فَاخْتَارَ الْعِلْمَ فَأُعْطِيَ الْمَالَ وَالْمُلْكَ مَعَهُ.

وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَنْ النَّاسُ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ قِيلَ: فَمَنْ الْمُلُوكُ، قَالَ الزُّهَّادُ: قِيلَ، فَمَنْ السَّفَلَةُ قَالَ الَّذِي يَأْكُلُ بِدِينِهِ دُنْيَاهُ فَلَمْ يَجْعَلْ غَيْرَ الْعَالَمِ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا النَّاسُ عَنْ سَائِرِ الْبَهَائِمِ هُوَ الْعِلْمُ الْإِنْسَانُ إنْسَانٌ بِمَا هُوَ شَرِيفٌ لِأَجْلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقُوَّةِ الشَّخْصِ فَإِنَّ الْجَمَلَ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا بِعِظَمِ جِسْمِهِ فَإِنَّ الْفِيلَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلَا بِشَجَاعَتِهِ فَإِنَّ السَّبُعَ أَشْجَعُ مِنْهُ وَلَا بِأَكْلِهِ فَإِنَّ الْجَمَلَ أَوْسَعُ بَطْنًا مِنْهُ وَلَا بِمُجَامَعَتِهِ فَإِنَّ أَخَسَّ الْعَصَافِيرِ أَقْوَى مِنْهُ عَلَى السِّفَادِ، بَلْ لَمْ يُخْلَقْ الْإِنْسَانُ إلَّا لِلْعِلْمِ.

وَقَدْ ذُكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَكْثَرُ، فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ فَإِنَّهُ أَطْنَبَ فِي ذَلِكَ وَأَمْعَنَ فِيهِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

لَكِنْ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ الْمُؤَاخَذَةُ أَشَدَّ إذْ أَنَّهُ يُحَاسِبُ عَلَى أُمُورٍ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا غَيْرُهُ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَمَدَّ رِجْلَهُ لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ قَبَضَهَا وَجَعَلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَنَا حِسًّا؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ عِنْدَنَا لَا يُؤَاخِذُ السَّائِسَ بِمَا يُؤَاخِذُهُ بِهِ النَّائِبُ وَالْوَزِيرُ كُلٌّ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَكُلٌّ يُخَاطَبُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَعَقْلِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>