قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ الصَّفْقَتَيْنِ جَمِيعًا.
بَيَانُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْفُسًا هُوَ خَلَقَهَا، وَأَمْوَالًا هُوَ رَزَقَهَا، وَمَعَ ذَلِكَ أَقُولُ أَيْضًا هُوَ خَالِقُ فِعْلِ الْمُجَاهِدِ فِي قُدْرَتِهِ، وَعَزْمِهِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَرَغْبَتِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلُهُ، وَنِعْمَتُهُ، وَمِنَّتُهُ قُلْ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى يُسْدِي عَلَى أَيْدِينَا الْخَيْرَ، وَيَمْنَحُ عَنْ أَيَادِيهِ الْجَزَاءَ، وَرُوِيَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ «الْأَنْصَارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِطْ لِرَبِّك، وَلِنَفْسِك مَا شِئْت قَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا؟ قَالَ: لَكُمْ الْجَنَّةُ قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ قَالُوا لَا نَقِيلُ، وَلَا نَسْتَقِيلُ» .
وَمَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابِيٌّ، وَهُوَ يَقْرَأُ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: ١١١] الْآيَةَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ كَلَامُ مَنْ؟ قَالَ: كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: بَيْعٌ، وَاَللَّهِ صَرِيحٌ لَا نَقِيلُهُ، وَلَا نَسْتَقِيلُهُ فَخَرَجَ إلَى الْغَزْوِ فَاسْتُشْهِدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} [التوبة: ١١١] قَالَ هَذَا وَعْدٌ مُؤَكَّدٌ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدَهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَعْدٌ ثَابِتٌ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ كَمَا أَثْبَتَهُ فِي الْقُرْآنِ.
وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَاهِيك مِنْ صَفْقَةٍ الْبَائِعُ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالثَّمَنُ جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَالْوَاسِطَةُ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي ذَلِكَ قِيلَ
أَكْرِمْ بِهَا صَفْقَةً فَالرَّبُّ عَاقِدُهَا ... عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مُضَرِ
أَثْمَانُهَا جَنَّةٌ نَاهِيك مِنْ نُزُلٍ ... دَارٌ بِهَا نِعَمٌ تَخْفَى عَنْ الْبَشَرِ
أَنْوَاعُ مَطْعَمِهَا مِنْ كُلِّ شَهْوَتِنَا ... شَرَابُهَا عَسَلٌ صَافٍ مِنْ الْكَدَرِ
مِنْ كُلِّ مَا لَذَّةٍ طَابَتْ مَوَارِدُهَا ... وَحُورُهَا دُرَرٌ تَزْهُو عَلَى الْقَمَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute