أَنَّى لَهَا ثَمَنٌ دُنْيَا بِهَا مِحَنٌ ... لَمْ يَصْفُ مَشْرَبُهَا يَوْمًا لِمُعْتَبِرِ
ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: ١١١] ؛ لِأَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ إنَّمَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَشَرِ لِأَحَدِ أُمُورٍ أَوْ مَجْمُوعِهَا، وَذَلِكَ: لِبُخْلٍ أَوْ شُحٍّ خَوْفَ الْفَقْرِ أَوْ مَحَبَّةَ الِازْدِيَادِ مِنْ الشَّهَوَاتِ أَوْ لِعَجْزٍ أَوْ لِنِسْيَانٍ، وَذُهُولٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى خَالِقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ إذَا فُهِمَتْ مَعَانِيهَا، وَحَضَرْتَ بِخُلُوِّ الْقَلْبِ، وَشُرُوطِ الِاسْتِمَاعِ لَتَالِيهَا لَا تَطْلَبُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ زِيَادَةً عَلَيْهَا، وَلَا انْضِمَامَ شَيْءٍ مِنْ الْمُؤَكَّدَاتِ إلَيْهَا، وَذَكَرَ بِسَنَدِهِ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ عَنْ صَلَاةٍ، وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ» ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: ١٥٧] فَهَذَا وَعْدٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ إذْ أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِهِ أَوْ الْمَوْتَ مُقْتَرِنٌ بِهِمَا الْمَغْفِرَةُ، وَالرَّحْمَةُ، وَخَبَرُهُ تَعَالَى، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، وَتَأْكِيدُهُ بِالْقَسَمِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ، وَتَحْقِيقٌ لِفَضْلِهِ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرَسُولِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إنْ مَاتَ أَوْ أَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْت خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ» قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادًا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute