فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ مَا هَذَا لَفْظُهُ إنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِمَا لَمْ يَصِحَّ لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ إذْ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَأْمُرَ بِالْمُنْكَرِ لِجَهْلِهِ بِحُكْمِهِمَا وَتَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ الْمُنْكَرَ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَيُؤَوَّلُ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ إلَى قَتْلِ نَفْسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إنْكَارَهُ الْمُنْكَرَ مُزِيلٌ لَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ مُؤَثِّرٌ وَنَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ.
فَالشَّرْطَانِ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُشْتَرَطَانِ فِي الْجَوَازِ وَالشَّرْطُ الثَّالِثِ مُشْتَرَطٌ فِي الْوُجُوبِ فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَنْهَى، وَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَازَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَقِيَ عَلَيْهِ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ فَمَا دُونَهُ فَيَجُوزُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لِحَدِيثِ «أَعْظَمُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ: عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» .
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} [المائدة: ١٠٥] الْآيَةَ مَعْنَاهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ فِيهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَقْوَى مَنْ يُنْكِرُهُ، لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ وَيَرْجِعُ أَمْرُهُ إلَى خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ سِوَى الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ وَلَا يَضُرُّهُ مَعَ ذَلِكَ مَنْ ضَلَّ يُبَيِّنُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ: إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ قِيلَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إذَا ظَهَرَ الِادِّهَانُ فِي خِيَارِكُمْ وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: «سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْت: كَيْفَ نَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute