للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ سُبْحَانَهُ قُدْرَتَهُ عِيَانًا لِلْخَلْقِ عَلَى يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الْكَرِيمَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ، وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ دُونَ مَاءٍ بَلْ امْتَثَلَ الْحِكْمَةَ بِوَضْعِ يَدِهِ الْكَرِيمَةِ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْقُوا، وَيَشْرَبُوا، وَيَمْلَئُوا، وَالْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِجَمْعِ مَا بَقِيَ مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْأَزْوَادِ حِينَ فَنِيَتْ فَجُمِعَتْ، وَبَارَكَ فِيهَا فَأَكَلَ الْجَمِيعُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَمِنْ ذَلِكَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قِصَّةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الدَّاجِنِ الَّذِي ذَبَحَهُ، وَالْعَجِينِ الَّذِي خَبَزَهُ، وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَصَقَ فِيهِمَا، وَبَارَكَ ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فِي الْأَكْلِ ثُمَّ عَشَرَةٍ مِنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي الْخَنْدَقِ حَتَّى أَكَلَ الْجَمِيعُ، وَشَبِعُوا، وَكَانُوا أَلْفًا، وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ كَمَا هِيَ، وَالْعَجِينُ يُخْبَزُ كَمَا هُوَ.

وَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْجِهَادِ فَإِنَّهُ كَانَ يَعْتَدُّ لِذَلِكَ بِجَمْعِ أَصْحَابِهِ، وَبِاِتِّخَاذِ الْخَيْلِ، وَالسِّلَاحِ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ آلَاتِ الْجِهَادِ، وَالسَّفَرِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَخَلَّى مِنْ ذَلِكَ، وَرَدَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِمَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ، وَحْدَهُ» فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ، وَحْدَهُ» فَنَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ، وَفِعْلَهُ خَلْقٌ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى الَّذِي خَلَقَ، وَدَبَّرَ، وَأَعَانَ، وَأَجْرَى الْأُمُورَ عَلَى يَدِ مَنْ شَاءَ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ فَكُلٌّ مِنْهُ، وَكُلٌّ إلَيْهِ رَاجِعٌ.

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ، وَجَلَّ أَنْ يُبِيدَ أَهْلَ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ لَفَعَلَ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَالَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: ٤] فَيُثِيبُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى الصَّابِرِينَ، وَيُجْزِلُ الثَّوَابَ لِلشَّاكِرِينَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] فَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>