للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَدَّثْتُكُمْ فَقَالُوا لَهُ، وَمَا هِيَ فَقَالَ: افْتَكَرْت فِي نُزُولِ الْمَلَكِ لِتَصْوِيرِي فِي الرَّحِمِ، وَنِدَائِهِ يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا أَعْرِفُ كَيْف خَرَجَ جَوَابِي. الثَّانِيَةُ أَنِّي افْتَكَرْت فِي نُزُولِ مَلَكِ الْمَوْتِ لِقَبْضِ رُوحِي، وَنِدَائِهِ يَا رَبِّ أَقْبِضُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمْ عَلَى الْكُفْرِ فَمَا أَعْرِفُ كَيْف خَرَجَ جَوَابِي. الثَّالِثَةُ أَنِّي افْتَكَرْت فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: ٥٩] فَمَا أَعْرِفُ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَمْتَازُ. الرَّابِعَةُ أَنِّي افْتَكَرْت فِي الْمُنَادِي الَّذِي يُنَادِي حِينَ حُصُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهَا، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهَا فَمَا أَعْرِفُ فِي أَيِّ الدَّارَيْنِ أَكُونُ انْتَهَى.

فَمَنْ كَانَ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَيْفَ يَقَرُّ لَهُ قَرَارٌ أَوْ يَأْوِي إلَى عِمْرَان، وَإِنَّمَا هِيَ غَفَلَاتٌ، وَالْمُرِيدُ مُبَرَّأٌ مِنْ الْغَفَلَاتِ مُتَيَقِّظٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْقَاطِعَاتِ نَاظِرٌ لِلنَّاسِ نَظَرَ عُمُومٍ يَرَاهُمْ هَلْكَى فَيَرْحَمُهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ قَدْ شَمَّرَ عَنْ سَاعِدِهِ خَوْفًا مِنْهُ أَنْ يَلْحَقَهُ مَا لَحِقَهُمْ إذْ أَنَّ الدُّنْيَا لَوْلَا الْحَمْقَى مَا عَمَرَتْ، وَطُولُ الْأَمَلِ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ أَكْبَرِ الْحُمْقِ، وَالْمُرِيدُ نَاظِرٌ إلَى زَمَانِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَاضٍ، وَمُسْتَقْبَلٍ، وَحَالٍّ، فَإِنْ نَظَرَ إلَى الْمَاضِي فَهُوَ كَنَدْبِ الْأَطْلَالِ، بِطَالَةٌ لَا تُغْنِي، وَلَا فَائِدَةَ فِيهَا، وَإِنْ نَظَرَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَالْقَدَرُ لَيْسَ بِيَدِهِ، وَالْحَيَاةُ لَيْسَتْ بِحُكْمِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي الْحَالِّ، وَالنَّظَرُ فِي الْحَالِّ هُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْفَقِيرُ ابْنُ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُتَوَقَّعٌ مَعَ الْحَرَكَاتِ، وَالسَّكَنَاتِ، وَالْأَنْفَاسِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ نَفَسٌ فَقَدْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فَقَدْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْكُلَفُ، وَالنَّظَرُ فِي الْمَلْبَسِ، وَالْقُوتِ، وَالْمَسْكَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورَاتِ الْبَشَرِيَّةِ إذْ أَنَّ نَفَسًا، وَاحِدًا لَا ثَمَنَ لَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الْإِقَامَةِ فِي الدُّنْيَا إذْ أَنَّ مَنْ صَارَ حَالُهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ فِكْرَتُهُ، وَهُمُومُهُ، وَحَسَرَاتُهُ فِي كَيْفِيَّةِ مَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِي قَبْرِهِ، وَوَحْشَتِهِ، وَجَوَابِهِ حِينَ السُّؤَالِ فِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَهْوَالِ الْعِظَامِ فَأَيُّ رَاحَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>