للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ تُسَارِعْ إلَى التَّحَوُّلِ عَنْهُ خِفْت أَنْ يَلْحَقَك الْخِذْلَانُ، وَالْمَقْتُ فَاتَّقِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أُمُورِك، وَاعْمَلْ لَهُ كَأَنَّك تَرَاهُ.

فَإِنْ قَالَ لَك الْخَبِيثُ: الْآنَ نَجَوْت حِينَ عَرَفْت نَفْسَك، وَأَنْزَلْتهَا هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ، وَحَذِرْت هَوَاك، وَعَدُوَّك فَقُلْ: الْآنَ هَلَكْتُ حِينَ أَمِنْت الْعِقَابَ فَإِنْ قَالَ لَك: الْآنَ نَجَوْت حِينَ خِفْت أَنْ تَكُونَ قَدْ أَمِنْت الْعِقَابَ فَقُلْ: الْآنَ هَلَكْت لَوْ كُنْت صَادِقًا لَصَدَّقَ قَوْلِي فِعْلِي، وَلَزِدْتُ خَوْفًا، وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَلَوْ كُنْت كَذَلِكَ الْحَالُ بَيْنِي، وَبَيْنَك، وَجَعَلَنِي فِي حِرْزِهِ، وَحِصْنِهِ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ قَالَ: فِيهِمْ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] ، وَلَمْ تَكُنْ أَنْتَ تَدْخُلُ عَلَيَّ فِي عَمَلِي فَإِنْ قَالَ لَك: جَاهِدْ نَفْسَك فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْعَمَلِ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ شَغَلَهُمْ أَمْرُ غَيْرِهِمْ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَأَنْتَ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ، وَأَنْتَ كَالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ بَيْنَ الشَّجَرِ الْيَابِسِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» ، وَأَنْتَ الْمَعْرُوفُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَالْمَجْهُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنْ قَبِلْتَ ذَلِكَ هَلَكْتَ، وَإِنْ قُلْتَ هَذَا مِنْ الشَّيْطَانِ قَالَ لَك: صَدَقْت هَذَا مِنْ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ كَثُرَتْ عَلَيْك مَكَائِدُهُ، وَمُجَاهَدَةُ نَفْسِك، وَهَوَاك فَكَمْ تُعَذِّبُ نَفْسَك إنْ كُنْت شَقِيًّا لَمْ تَسْعَدْ أَبَدًا، وَإِنْ كُنْت سَعِيدًا لَمْ تَشْقَ أَبَدًا، وَلَا يَضُرُّك تَرْكُ الْعَمَلِ إنْ كُنْت سَعِيدًا، وَلَا يَنْفَعُك الْعَمَلُ الْكَثِيرُ إنْ كُنْت شَقِيًّا فَإِنْ قَبِلْت الْقُنُوطَ الَّذِي أَلْقَاهُ إلَيْك هَلَكْت، وَإِنْ تَرَكْت الْعَمَلَ، وَنِلْت مِنْ الشَّهَوَاتِ عَلَى الْغُرُورِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِزَعْمِك، وَالِاتِّكَالِ عَلَى الرَّجَاءِ الْكَاذِبِ، وَالطَّمَعِ الْكَاذِبِ، وَالْأَمَانِيِّ الْكَاذِبَةِ، وَرَجَوْت الْجَنَّةَ بِالْغُرُورِ، وَطَلَبْتهَا طَلَبَ الْمُتَعَبِّدِينَ بِالرَّاحَةِ عَطِبْتَ، وَإِنْ امْتَنَعْت قَالَ لَك: أَحْسِنْ ظَنَّك بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» ، وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْيُسْرَ، وَالدِّينُ وَاسِعٌ، وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَاعْرِفْ نَفْسَك عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْتَصِمْ بِاَللَّهِ {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: ٦] ، وَاعْلَمْ أَنَّك كُنْت فِي بَلَدٍ، وَأَنْتَ فِيهِ سَالِمٌ، وَأَمْرُك فِيهِ مُسْتَقِيمٌ، وَالنُّورُ مَعَك فِي فِعْلِك، وَقَوْلِك قَالَ لَك: عَلَيْك بِالثُّغُورِ، وَعَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>