بِمَكَّةَ، وَعَلَيْك بِكَذَا فَإِنْ قَبِلْت ذَلِكَ رَأَيْت فَتْرَةً فِي عَاجِلِ عَمَلِك، وَقَسَاوَةً فِي قَلْبِك، وَوَقَعْت فِي الْمَشُورَةِ يُرِيدُ بِذَلِكَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ السَّفَرِ، وَالشُّغْلَ بِهِ عَنْ الدَّأَبِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالنَّشَاطِ الَّذِي كَانَ مَعَك فَإِنْ صِرْتَ إلَى بَلَدٍ أَنْتَ فِيهِ مَسْرُورٌ، وَقَلْبُك رَيِّحٌ قَالَ لَك: مَوْضِعُك كَانَ أَصْلَحَ لِقَلْبِك، وَأَجْمَعَ لِهِمَّتِك فَارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا مَعَ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَالْفَقْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ لِلدَّأَبِ ثَوَابًا، وَلِلصَّبْرِ ثَوَابًا {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَنْجُو بِالْأَعْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَهْلِكُ بِهَا، وَكُلُّ عَبْدٍ مُيَسَّرٌ؛ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَهْلِكُ بِالتَّفْرِيطِ، وَالتَّضْيِيعِ أَكْثَرُ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يَأْمَنُ، وَلَا يَيْأَسُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَأْتِيك مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَغْفُلُ، وَلَا يَأْلُوك خَبَالًا إنْ كُنْت مُقِلًّا، عِنْدَك مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ يَسِيرٌ تُرِيدُ أَنْ تَقُوتَهُ نَفْسَك، أَمَرَك بِالصَّدَقَةِ، وَرَغَّبَك فِيهَا لِتُخْرِجَ مَا فِي يَدَيْك، وَتَحْتَاجَ رَجَاءَ أَنْ يَظْفَرَ بِك فِي حَالِ الْغَفْلَةِ، وَإِنْ كُنْت غَنِيًّا أَمَرَك بِالْإِمْسَاكِ، وَرَغَّبَك فِيهِ، وَخَوَّفَك الْفَقْرَ، وَالْحَاجَةَ، وَقَالَ لَك: ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَلَعَلَّك تَكْبَرُ، وَتَضْعُفُ، وَيَطُولُ عُمْرُك يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ إلَى حَالِ الْبُخْلِ فَيَظْفَرَ بِك، وَإِنْ كُنْت تَصُومُ، وَقَدْ عُرِفْت بِالصَّوْمِ، وَأَحْبَبْت أَنْ تُرِيحَ نَفْسَك قَالَ لَك: قَدْ عُرِفْت بِالصَّوْمِ لَا تُفْطِرْ فَيَضَعُ النَّاسُ أَمْرَك عَلَى أَنَّك قَدْ كَبِرْتَ، وَتَغَيَّرْتَ، وَفَتَرْتَ، وَعَجَزْتَ فَإِنْ قُلْتَ مَالِي، وَلِلنَّاسِ قَالَ لَك: صَدَقْت أَفْطِرْ فَإِنَّ الْمُحْسِنَ مُعَانٌ سَيَضَعُونَ أَمْرَك عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ فَإِنْ قَبِلْتَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَفْطَرْتَ عَلَى أَنَّ النَّاسَ سَيَضَعُونَ أَمْرَك عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَالْمَنْزِلَةُ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِإِفْطَارِك فَقَدْ عَطِبْتَ، وَإِنْ أَنْتَ نَفَيْت ذَلِكَ، نَصَبَ لَك بَابًا آخَرَ فَقَالَ لَك: عَلَيْك بِالتَّوَاضُعِ لِيُشْهِرَك عِنْدَ النَّاسِ، وَكُلَّمَا ازْدَدْت تَوَاضُعًا عَلَى قَبُولِهِ مِنْهُ لِلشَّهْوَةِ، وَالشُّهْرَةِ ازْدَادَ كَلَبًا عَلَيْك فَاتَّقِ مَا وَصَفْتَ لَك، وَالْجَأْ إلَى اللَّهِ فِي أُمُورِك كُلِّهَا، وَاتْرُكْ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِعَمَلِ الْآخِرَةِ رَغْبَةً مِنْك فِي الْآخِرَةِ، وَحُبًّا لَهَا، وَإِيثَارًا لَهَا عَلَى الدُّنْيَا فَبِحُبِّك إيَّاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute