الصَّلَاحُ فَإِذَا بَلَّغَ اللَّهُ الْعَبْدَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ حُبِّبَتْ إلَيْهِ الْخَلْوَةُ فَأَوَّلُ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ، وَالصِّدْقُ فِي الْقَوْلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حُبِّ الْخَلْوَةِ رَاحَةٌ لِلْقَلْبِ مِنْ غُمُومِ الدُّنْيَا، وَتَرْكُ مُعَامَلَةِ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَمَخْرَجُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْلِ فَأَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْخَلْوَةِ وُجُوبَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَمُدَاهَنَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَيُحَبَّبُ إلَيْهِ بِالْخَلْوَةِ خُمُولُ النَّفْسِ، وَإِخْمَادُ الذِّكْرِ فِي النَّاسِ، وَهُوَ طَرِيقُ الصِّدْقِ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْإِخْلَاصُ، وَيُحَبَّبُ إلَيْهِ بِالْخَلْوَةِ الزُّهْدُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِ، وَالْأُنْسُ بِاَللَّهِ، وَيُوهَبُ لَهُ اسْتِثْقَالُ الْمَخْلُوقِينَ حَتَّى يَفِرَّ مِنْهُمْ فِرَارَهُ مِنْ الْأَسَدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِجَمَاعَتِهِمْ، وَيُعْطَى مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ طُولَ الصَّمْتِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَغَلَبَةَ الْهَوَى بِالصَّبْرِ، وَمِنْ الصَّمْتِ وَالصَّبْرِ غَلَبَةَ الْهَوَى، وَيُعْطَى مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ الِاشْتِغَالَ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَقِلَّةَ اشْتِغَالِهِ بِذِكْرِ غَيْرِهِ، وَطَلَبَ السَّلَامَةِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ كَثْرَةَ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَالْفِكْرِ، وَهَذِهِ الْخِصَالُ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ، وَمَخْرَجُهَا مِنْ خَالِصِ الذِّكْرِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ الْأَعْمَالَ الَّتِي تَغِيبُ عَنْ أَعْيُنِ الْعِبَادِ، وَتَظْهَرُ لِرَبِّ الْعِبَادِ، وَالْبِلَادِ، وَقَلِيلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَمَخْرَجُ ذَلِكَ مِنْ الصِّدْقِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ التَّيَقُّظَ مِنْ غَفْلَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَمَا يَذْكُرُهُ مِنْهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ تَرْكَ الرِّيَاءِ، وَالتَّزَيُّنَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْإِخْلَاصِ، وَهُوَ مَحْضُ الصِّدْقِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ تَرْكَ الْمِرَاءِ، وَتَرْكَ الْخُصُومَاتِ، وَالْجِدَالِ، وَذَلِكَ يَنْفِي الرِّيَاسَةَ مِنْ الْقَلْبِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ قِلَّةَ الْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ، وَالتَّوَقِّي مِنْ الْكَذِبِ، وَالْأَيْمَانِ، وَالْحِنْثِ فِيهَا، وَمَخْرَجُ ذَلِكَ مِنْ الصِّدْقِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ قِلَّةَ الْغَضَبِ، وَالْقُوَّةَ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَتَرْكَ الْحِقْدِ وَالشَّحْنَاءِ، وَمُعَامَلَةَ الْخَلْقِ بِسَلَامَةِ الصُّدُورِ، وَيُعْطَى بِالْخَلْوَةِ رِقَّةَ الْقَلْبِ، وَالرَّحْمَةَ، وَهُمَا يَنْفِيَانِ الْغِلْظَةَ، وَالْقَسَاوَةَ، وَهُمَا مِنْ دَوَاعِي الْخَوْفِ، وَبِالْخَوْفِ الثَّابِتِ فِي الْقَلْبِ يَخْشَعُ الْعَبْدُ، وَيَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَهِيَ مِنْ غَايَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute