للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الْغِنَاءِ وَعَنْ اسْتِمَاعِهِ، وَقَالَ: إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً كَانَ لَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ، وَالْمَنْعِ مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَجُوزُ فَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ادَّعَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ سُبْحَانَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: ٣٧] قَالَ: اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَمِّ الرَّقْصِ وَتَعَاطِيهِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الرَّقْصِ فَقَالَ {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: ٣٧] ، وَذَمُّ الْمُخْتَالِ وَالرَّاقِصِ أَشَدُّ، وَالْمَرَحُ الْفَرَحُ أَوَلَسْنَا قِسْنَا النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الطَّرَبِ وَالسُّكْرِ فَمَا بَالُنَا لَا نَقِيسُ الْقَضِيبَ وَتَلْحِينَ الشِّعْرِ مَعَهُ عَلَى الطُّنْبُورِ وَالطَّبْلِ لِاجْتِمَاعِهِمَا؟ ، فَمَا أَقْبَحُ ذَا لِحْيَةٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَا شَيْبَةٍ يَرْقُصُ وَيُصَفِّقُ عَلَى تَوْقِيعِ الْأَلْحَانِ وَالْقُضْبَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَصْوَاتَ نِسْوَانٍ وَوِلْدَانٍ، وَهَلْ يَحْسُنُ لِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَوْتُ وَالسُّؤَالُ وَالْحَشْرُ وَالصِّرَاطُ، ثُمَّ مَآلُهُ إلَى إحْدَى الدَّارَيْنِ يَشْمُسُ بِالرَّقْصِ شُمُوسَ الْبَهَائِمِ، وَيُصَفِّقُ تَصْفِيقَ النِّسْوَةِ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مَشَايِخَ فِي عُمْرِي مَا بَانَ لَهُمْ سِنٌّ مِنْ التَّبَسُّمِ فَضْلًا عَنْ الضِّحْكِ مَعَ إدْمَانِ مُخَالَطَتِي لَهُمْ.

، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَمَاقَةً لَا تَزُولُ إلَّا بِاللَّعِبِ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: ٦٤] قَالَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَزَامِيرِ، وَالْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: ٦٤] عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَمَا كَانَ مِنْ صَوْتِ الشَّيْطَانِ أَوْ فِعْلِهِ، وَمَا يَسْتَحْسِنُهُ فَوَاجِبٌ التَّنَزُّهُ عَنْهُ.

(فَصْلٌ)

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ إمَامِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>