للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ سُئِلَ لِحُضُورِ السَّمَاعِ فَأَبَى، ثُمَّ سُئِلَ فَأَبَى فَقِيلَ: لَهُ أَلَسْت كُنْت تَحْضُرُهُ قَالَ: مَعَ مَنْ، وَمِمَّنْ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَكَابِرِ أَنَّهُ سُئِلَ لِحُضُورِ السَّمَاعِ فَأَبَى فَقِيلَ: لَهُ أَتُنْكِرُ السَّمَاعَ قَالَ: وَمِثْلِي يُنْكِرُهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَمِنْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارُ، وَإِنَّمَا أُنْكِرُ مَا أُحْدِثَ فِيهِ.

وَهَذَا كَمَا قَدْ سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ فَحَضَرَهُ هَذَا السَّيِّدُ لَمَّا أَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ حَدَثَ فِيهِ مَا حَدَثَ تَرَكَهُ، وَهَذَا أَيْضًا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْجُنَيْدِ فِي قَوْلِهِ مَعَ مَنْ، وَمِمَّنْ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَوَّالَ هُوَ شَيْخُ الْجَمَاعَةِ الَّذِي مِنْهُ يَسْتَمِدُّونَ، وَبِهِ يَقْتَدُونَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بَعِيدَةٌ مِنْ سَمَاعِ هَذَا الزَّمَانِ لِمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لِبَعْضِهِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ حُضُورِ النِّسَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُشْرِفَةِ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَمَاعِهِنَّ الْأَشْعَارَ الْمُهَيِّجَةَ لِلْفِتْنَةِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْمَلْذُوذَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ عَلَيْهِنَّ سَاكِنًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ رُقْيَةُ الزِّنَا، وَهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى الرِّجَالِ أَوْ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ فَأَعْظَمُ فِتْنَةً وَبَلِيَّةً سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُغَنِّي شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ وَالصَّوْتِ، وَيَسْلُكُ مَسْلَكَ الْمُغَنِّيَاتِ فِي تَكْسِيرِهِمْ، وَسُوءِ تَقَلُّبَاتِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْمَذْمُومَةِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّينَةِ بِلِبَاسِ الْحَرِيرِ وَالرَّفِيعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فِي أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ فَيَتَقَلَّدُ بِالْعَنْبَرِ بَيْنَ ثِيَابِهِ لِتُشَمَّ رَائِحَتُهُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فُوطَةً مِنْ حَرِيرٍ لَهَا حَوَاشٍ عَرِيضَةٌ مُلَوَّنَةٌ يُصَفِّفُهَا عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلَهُمْ فِي اسْتِجْلَابِ الْفِتَنِ بِمِثْلِ هَذَا أُمُورٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْمِسْكِينِ الَّذِي عَمِلَ السَّمَاعَ لَهُمْ، وَجَمَعَهُمْ لَهُ كَيْفَ يَطِيبُ خَاطِرُهُ أَوْ يَسْكُنُ بَاطِنُهُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِهِ لِمَا ذُكِرَ إذْ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ عِنْدَ سَمَاعِهَا أَوْ رُؤْيَتِهَا فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَيْنَ غِيرَةُ الْإِسْلَامِ أَيْنَ نَجْدَةُ الرِّجَالِ السَّادَةِ الْكِرَامِ؟ أَيْنَ الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ الْعَفِيفَةُ عَنْ الْحَرَامِ؟ أَيْنَ اتِّبَاعُ السَّلَفِ الْأَعْلَامِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>