للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ يَأْمَنُ النَّارَ مَنْ هُوَ وَارِدُهَا، وَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ إلَى الدُّنْيَا مَنْ هُوَ مُفَارِقُهَا، وَكَيْفَ يَغْفُلُ مَنْ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ؟ يَا بُنَيَّ لَا شَكَّ فِي الْمَوْتِ فَإِنَّك كَمَا تَنَامُ كَذَلِكَ تَمُوتُ، وَلَا شَكَّ فِي الْبَعْثِ فَإِنَّك كَمَا تَسْتَيْقِظُ كَذَلِكَ تُبْعَثُ يَا بُنَيَّ إنَّ الْإِنْسَانَ لَثَلَاثَةٌ، فَمِنْهُ لِلَّهِ، وَمِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ لِلدُّودِ وَالتُّرَابِ، فَأَمَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فَرُوحُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ لِنَفْسِهِ فَعَمَلُهُ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ لِلدُّودِ وَالتُّرَابِ فَجَسَدُهُ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَا أَمِنَ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ إلَّا سُلِبَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُ مَا يُسْلَبُ النَّاسُ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: إذَا ظَفِرْت مِنْ ابْنِ آدَمَ بِثَلَاثٍ لَمْ أَطْلُبْهُ بِغَيْرِهَا إذَا أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّك تَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى، وَأَنْتَ إنْ كُنْت لَمْ تُخْطِئْ خَطِيئَةً مَشَيْت عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا أَخْطَأْت خَطِيئَةً قَطُّ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: فَامْشِ عَلَى الْمَاءِ فَمَشَى ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا حَتَّى إذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْبَحْرِ، وَإِذَا هُوَ قَدْ غَرِقَ فَدَعَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَبَّهُ فَأَخْرَجَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَهُ: مَالَك ذَهَبْت وَرَجَعْت ثُمَّ غَرِقْت أَلَيْسَ زَعَمْت أَنَّك لَمْ تُخْطِئْ خَطِيئَةً قَطُّ؟ قَالَ: مَا أَخْطَأْت خَطِيئَةً قَطُّ إلَّا أَنِّي وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي مِثْلُك، وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: أَمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قَوْمًا مَرَّةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا زَالَ بِي الشَّيْطَانُ آنِفًا حَتَّى رَأَيْت أَنَّ لِي فَضْلًا عَلَى مَنْ خَلْفِي لَا أَؤُمُّ أَبَدًا؟ .

وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّ رَجُلٍ قَطُّ إلَّا لَزِمَ قَلْبَهُ أَرْبَعُ خِصَالٍ: فَقْرٌ لَا يُدْرِكُ عَنَاهُ، وَهَمٌّ لَا يَنْقَضِي مَدَاهُ، وَشُغْلٌ لَا يَنْفَدُ لَأْوَاهُ، وَأَمَلٌ لَا يَنْقَطِعُ مُنْتَهَاهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قِيلَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ: كَيْفَ حَالُك؟ قَالَ: حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ، وَيَسْقَمُ بِسَلَامَتِهِ، وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْحَيَاةِ فَالصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ فَوْقَ الْمَوْتِ فَالْمَرَضُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ يَعْدِلُ الْحَيَاةَ فَالْغِنَى، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ يَعْدِلُ الْمَوْتَ فَالْفَقْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>