للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَكَابِرِ وَيُطَرِّزُ بِهَا كَلَامَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى نَفْسِهِ بِلِسَانِ حَالِهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا.

وَبَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ حَاصِلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَصْنِيفِ الْحِكَايَاتِ وَالْمَرَائِي الَّتِي يَخْتَلِقُهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ سِيَّمَا، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ تَجَرُّئِهِ وَدَعْوَاهُ رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، وَأَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَخَاطَبَهُ وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ فِي الْيَقَظَةِ وَهَذَا بَابٌ ضَيِّقٌ وَقَلَّ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ عَزِيزٍ وُجُودُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، بَلْ عَدِمَتْ غَالِبًا مَعَ أَنَّا لَا نُنْكِرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ هَذَا مِنْ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ حَفِظَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ، وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ الْعَيْنُ الْفَانِيَةُ لَا تَرَى الْعَيْنَ الْبَاقِيَةَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارِ الْبَقَاءِ وَالرَّائِي فِي دَارِ الْفَنَاءِ.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحِلُّ هَذَا الْإِشْكَالَ، وَيَقُولُ مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صَحِيحٌ وَلَكِنْ يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُوقِفُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَوْلِيَائِي لَمْ أَزْوِ عَنْكُمْ الدُّنْيَا لِهَوَانِكُمْ عَلَيَّ وَلَكِنْ زَوَيْتُهَا عَنْكُمْ لِتَسْتَوْفُوا الْيَوْمَ نَصِيبَكُمْ عِنْدِي اذْهَبُوا فَاخْتَرِقُوا الصُّفُوفَ فَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِي، أَوْ زَارَكُمْ مِنْ أَجْلِي، أَوْ أَطْعَمَكُمْ لُقْمَةً مِنْ أَجْلِي فَخُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ فَيَأْتُونَ إلَى الْمَحْشَرِ وَهُمْ يَجُرُّونَ أَذْيَالَ الْفَخْرِ فَيَقُولُ أَهْلُ الْمَحْشَرِ: يَا رَبَّنَا مَا بَالُ هَؤُلَاءِ دُونَنَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْتُمْ مُتُّمْ فِي الدُّنْيَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهَؤُلَاءِ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَمُوتُ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو مَدْيَنَ: مَنْ مَاتَ رَأَى الْحَقَّ وَمَنْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَرَ الْحَقَّ فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ إذَا مَاتَ مَوْتَةً وَاحِدَةً رَأَى الْحَقَّ فَمَا بَالُكَ بِسَبْعِينَ مَرَّةً فِي كُلِّ يَوْمٍ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] فَذَهَبَ الْإِشْكَالُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَظَهَرَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ الْمُؤَمَّلُ فِي الثَّوَابِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُشِيرُ إلَى نَفْسِهِ بِالْكَرَامَاتِ وَخَرْقِ الْعَادَاتِ، وَهُوَ عَرِيٌّ عَنْهَا بِالِاتِّصَافِ بِضِدِّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>