للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَةَ الْمَشَايِخِ وَلَقْيَهُمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ وَلَا رَآهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي صُحْبَةَ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ، وَهُوَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ وَلَا هُوَ عَلَى طَرِيقِهِمْ، بَلْ رَأَى بَعْضَ مَنْ صَحِبَ الشُّيُوخَ وَحَكَى عَنْهُمْ فَحَكَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَةَ الْخَضِرِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ مِنْهُ حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا: إنَّ الْخَضِرَ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَقِفُ عَلَى بَابِهِ أَوْ دُكَّانِهِ وَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ، وَهُوَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَذَلِكَ كُلُّهُ تَقَوُّلٌ وَافْتِعَالٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا فَرْعَ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُنْكَرُ إذَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا أَرَادَ أَنْ يُلْقِي شَيْئًا مِمَّا يَخْطِرُ لَهُ قَدَّمَ قَبْلَهُ الِاسْتِشْهَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيَقُولُ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: ٦٠] ، ثُمَّ يَحْلِفُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى وَرَأَى، وَأَنَّهُ خُوطِبَ فِي سِرِّهِ، وَالْغَالِبُ أَنَّكَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَامّ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الْحَقِّ، وَالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَالِاتِّبَاعِ إذَا مَوَّهَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْوِيهِ انْقَادُوا لَهُ وَقَالُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَنَزَّلُوهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحْوَالُهُمْ الرَّدِيئَةُ لَا تَنْحَصِرُ، وَفِيمَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهِ كِفَايَةٌ وَمُقْنَعٌ. هَذَا حَالُ الْمُسْتَتِرِينَ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقَدْ خَرَقُوا السِّيَاجَ وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْهُمْ، بَلْ الْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُهُمْ، أَوْ يَمِيلُ إلَيْهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ مِثْلُ مَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكَ الْمُبَالَاةِ بِهَا حَتَّى إنَّهُ لَيَجْلِسَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ عَلَى زَعْمِهِ وَلَا يَحْتَرِقُ بِمَرْأًى مِنْ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ بِدْعَةً وَمُنْكَرًا إذْ إنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُعْجِزَةِ إظْهَارُهَا وَالتَّحَدِّي بِهَا وَمِنْ شَرْطِ الْكَرَامَةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَإِذَا أَظْهَرَهَا لِلنَّاسِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ بَابِ الْكَرَامَةِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَقَعَ ضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ دَاعِيَةٌ إلَى إظْهَارِهَا. مِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي مَرْكَبٍ مَوْسُوقَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>