للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَمْحًا فَهَاجَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْقَمْحُ لِبَعْضِ الظَّلَمَةِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَى الْخَلْقِ فِي وَقْتِهِ فَسَمِعَ النَّوَاتِيَّةَ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا الْقَمْحَ مَكِيلٌ عَلَيْنَا فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ أَخَذَنَا الظَّالِمُ بِهِ فَالرَّأْيُ أَنْ نَرْمِيَ الرُّكَّابَ فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى الْقَمْحُ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَهُمْ قَالَ لَهُمْ ارْمُوا الْقَمْحَ فِي الْبَحْرِ وَأَنَّا الضَّامِنُ لَهُ فَأَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَرَمَوْا الْقَمْحَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَلِيلُ فَسَكَنَ الْبَحْرُ فَلَمَّا أَنْ وَصَلُوا إلَى الْبَلَدِ طَالَبُوهُ بِمَا الْتَزَمَهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْكَيَّالِينَ فَجَاءُوا بِهِمْ فَقَالَ: اكْتَالُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْقَمْحِ فَاكْتَالُوهُ فَوَفَّى مَا عَلَيْهِمْ أَعْنِي مَا كَانَ عَلَى النَّوَاتِيَّةِ مَسْطُورًا، ثُمَّ رَدَّ رَأْسَهُ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ لَهُمْ: وَاَللَّهِ مَا عَمِلْتُهَا إلَّا حَقْنًا لِدِمَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَهُ لِلضَّرُورَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ أَنَّ لِدُخُولِ النَّارِ أَدْوِيَةً تُسْتَعْمَلُ حَتَّى لَا تَعْدُوَ عَلَى مَنْ دَخَلَهَا مِمَّنْ اسْتَعْمَلَ تِلْكَ الْأَدْوِيَةَ لَكِنْ لَوْ حَضَرَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَدَخَلَا مَعًا لَاحْتَرَقَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ وَالزَّعْبَلَةِ وَخَرَجَ الْمُحِقُّ سَالِمًا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حِكَايَاتٍ يَطُولُ تَتَبُّعُهَا.

مِنْهَا الْحِكَايَةُ الْمُسْنَدَةُ فِي مِصْبَاحِ الظَّلَامِ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النُّعْمَانِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا جَرَى لِلسُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ فِي دُخُولِهِمَا النَّارَ فَخَرَجَ السُّنِّيُّ وَلَمْ يَحْتَرِقْ وَبَقِيَ الْبِدْعِيُّ حُمَمَةً، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَشْيَخَةِ يُدْخِلُ أَصْحَابَهُ النَّارَ وَلَا يَحْتَرِقُونَ فَقَالَ لِي سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ مِنْ سَيِّدِي الشَّيْخِ أَنْ يَطْرُدَنِي لَأَخَذْتُ الشَّيْخَ نَفْسَهُ وَدَخَلْتُ وَأَنَا وَإِيَّاهُ النَّارَ حَتَّى نَنْظُرَ مَنْ يَحْتَرِقُ فِينَا.

وَقَدْ كَانَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ مِنْ زَمَنٍ قَرِيبٍ رَجُلٌ يَدَّعِي الْوِلَايَةَ وَخَرْقَ الْعَادَةِ وَكَانَ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ وَالْأَضْيَافُ يَعْمَلُ لَهُمْ فَطِيرًا وَيَفِتُّهُ فِي قَصْعَةٍ وَيُؤْتَى بِهَا إلَيْهِ فَيَنْصِبُ يَدَهُ عَلَيْهَا فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عَسَلُ نَحْلٍ فَيَلِتُّ بِهِ وَيُطْعِمُهُ مَنْ هُنَاكَ حَتَّى يَكْفِيَهُمْ، ثُمَّ يُرْسِلُ يَدَهُ فَيَنْقَطِعُ فَسَمِعَ بِهِ بَعْضُ الْأَكَابِرِ فِي وَقْتِهِ فَجَاءَ إلَيْهِ فَلَمَّا أَنْ جَلَسَ عِنْدَهُ قَالَ لَهُ: نُرِيدُ أَنْ تُطْعِمَنَا مِنْ الْبَسِيسَةِ الَّتِي تُطْعِمُ النَّاسَ مِنْهَا فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِالْفَطِيرِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>