للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» .

فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا يُمْكِنُ فِيهِ فَالتَّهْجِيرُ ذَكَرَ لَهُ الِاسْتِبَاقَ إذْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِيهِ وَالْعَتَمَةُ وَالصُّبْحُ ذَكَرَ لَهُمَا الْحَبْوَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ رَاحَةٍ وَغَفْلَةٍ وَنَوْمٍ وَكَسَلٍ فَذَكَرَ لَهُ مَا يَلِيقُ بِالْكَسَلِ، وَهُوَ الْحَبْوُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَذَانُ قَدْ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الِاسْتِبَاقُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ يَأْتُونَ مَعًا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالزَّمَانُ لَا يَسَعُهُمْ لِلْأَذَانِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ لَا يَسَعُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ اسْتَوَوْا فِي الْإِتْيَانِ فَاحْتَاجُوا إلَى الْقُرْعَةِ فِي ذَلِكَ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ.

لَكِنْ قَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إذَا تَزَاحَمَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْأَذَانِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ الْأَذَانُ جَمَاعَةً وَشَرَطُوا فِي جَوَازِهِ أَنْ لَا يَكُونَ نَسَقًا وَاحِدًا بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَالْآخَرُ فِي التَّكْبِيرِ وَالْآخَرُ فِي الْحَيْعَلَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْشِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَوْتِ صَاحِبِهِ هَذَا الَّذِي أَجَازَهُ عُلَمَاؤُنَا. أَمَّا مَا اعْتَادَهُ الْمُؤَذِّنُونَ الْيَوْمَ مِنْ الْأَذَانِ جَمَاعَةً مُتَرَاسِلِينَ نَسَقًا وَاحِدًا مُجْتَمَعِينَ فَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ جَوَازُهُ وَهَا هُوَ الْيَوْمَ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَمَنْ فَعَلَ غَيْرَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ كَأَنَّهُ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي الدِّينِ وَأَتَى بِشَيْءٍ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْهَدُ.

وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَارَسَةِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ كَانُوا يَدْرُسُونَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَالْفُرُوعَ وَالْأَحْكَامَ مُجْتَمَعِينَ يَتَلَقَّى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حِفْظَ ذَلِكَ وَفَوَائِدَهُ فَانْعَكَسَ الْأَمْرُ الْيَوْمَ وَصَارَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْيَوْمَ إلَّا الْعَوَائِدُ الَّتِي ارْتَكَبْنَاهَا وَمَضَتْ عَلَيْهَا عَادَتُنَا وَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ تَرَكْنَاهُ وَرَجَعْنَا نَنْقُلُ عَنْ عَوَائِدَ اتَّخَذْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا وَاصْطَلَحْنَا عَلَيْهَا أَنَّهَا سُنَّةُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَلَفِنَا وَخَلْفِنَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاقِلَ الْمَذْكُورَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ.

وَقَدْ نَقَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِعْلَ السَّلَفِ حِينَ ذَكَرَ لَهُ ابْنُ وَهْبٍ مَا ذَكَرَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>