للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُرْزَقُونَ» فَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ لِلْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الرِّزْقِ وَالِاسْتِرَاحَةِ مِنْ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ حِسًّا؛ لِأَنَّا نُشَاهِدُ بَعْضَ النَّاسِ يَكُونُ فَقِيرًا ضَعِيفًا تَعِبًا مِنْ التَّكَسُّبِ بَعِيدًا مِنْ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ النَّاقِصَةِ، فَإِذَا حَدَثَ لَهُ مَوْلُودٌ ظَهَرَ أَمْرُهُ وَكَثُرَ خَيْرُهُ وَبَاشَرَ الْعُلَمَاءَ وَسَمِعَ فَوَائِدَهُمْ بِوَاسِطَةِ وَلَدِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّعَمِ الْمُتَرَادِفَةِ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ حَبِيبًا النَّجَّارَ رُئِيَ وَهُوَ يَمْشِي فِي رِكَابِ وَلَدِهِ فَعَذَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا عُرِفَ حَبِيبٌ إلَّا بِوَلَدِهِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا تَمْثِيلٍ. فَقَابَلُوا هَذِهِ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ بِضِدِّهَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ بِسَبَبِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الْمُحْدَثَةِ إذْ أَنَّهُمْ إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَهُمْ هَذِهِ النِّعَمُ أَقْبَلَ النِّسَاءُ عَلَى الزَّغْرَدَةِ وَيَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الدُّفِّ وَالرَّقْصِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالِاسْتِهْتَارِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ مَعَ التَّفَاخُرِ بِمَا يَصْنَعْنَهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْكَثِيرَةِ وَاجْتِمَاعِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَحِرْمَانِ الْفُقَرَاءِ الْمُضْطَرِّينَ وَالْمُحْتَاجِينَ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ وَطَلَبِهِمْ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ، وَأَكْثَرُهُنَّ يَقُمْنَ عَلَى هَذَا الْحَالِ مُدَّةَ السَّبْعَةِ أَيَّامٍ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَكُلُّ مَنْ جَاءَتْ تُهَنِّئُ جَدَدْنَ لَهَا اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ وَالرَّقْصَ وَالِاسْتِهْتَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِنَّ الرَّدِيئَةِ.

ثُمَّ مَعَ هَذِهِ الْقَبَائِحِ الشَّنِيعَةِ الْمَزَامِيرُ وَالْأَبْوَاقُ عَلَى الْبَابِ تُعْمَلُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْهَرْجِ وَالشُّهْرَةِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ مِنْ عَمَلِ الذُّنُوبِ حَتَّى صَارَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ كَأَنَّهُ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ تُتَّبَعُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ فِعْلِهِمْ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي الدِّينِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اُضْطُرَّتْ إلَى التَّصْفِيقِ فِي صَلَاتِهَا صَفَّقَتْ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ يَدِهَا عَلَى ظَهْرِ يَدِهَا الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ فَمُنِعَتْ مِنْ الْكَلَامِ وَعُوِّضَتْ عَنْهُ التَّصْفِيقَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَمَا بَالُك بِمَا أَحْدَثْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ سِيَّمَا عِنْدَ إحْدَاثِ هَذِهِ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ. وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنَّ الْغَالِبَ مِمَّنْ يَرَاهُمْ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ يَعْلَمُ حَالَهُمْ لَا يُغَيِّرُهُ وَلَا يَسْتَقْبِحُهُ وَلَا تَشْمَئِزُّ نَفْسُهُ، بَلْ يُسَرُّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ.

وَأَشَدُّ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>