للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ عَظِيمُ الثَّوَابِ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْقَوَابِلِ إذَا اسْتَحْسَنَ الْخِرْقَةَ الَّتِي أُعِدَّتْ لَأَنْ يَنْزِلَ فِيهَا الْمَوْلُودُ أَخَذْنَهَا لِأَنْفُسِهِنَّ، وَلَمْ يُبَاشِرْنَ الْمَوْلُودَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَغَيَّرَ حُسْنُهَا أَوْ يَنْقُصَ ثَمَنُهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَدُخُولُ الْقَابِلَةِ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَا اعْتَادَتْهُ مِمَّا هُوَ مَجْهُولٌ يُمْنَعُ، وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تَحْصُرُهُ فَذَلِكَ سَائِغٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرَضًا. فَوَقَعَ بِسَبَبِ مَا أَحْدَثْنَهُ مِنْ الْبِدْعَةِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ حُرِمُوا بَرَكَةَ أَثَرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالْأَغْنِيَاءُ وَقَعُوا فِي الْمُفَاخَرَةِ بِحُطَامِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ مَا تَذْكُرُهُ الْقَابِلَةُ لِلنَّاسِ مِنْ الْخِرْقَةِ الْحَرِيرِ وَصِفَتِهَا الَّتِي اعْتَادُوهَا لِنُزُولِ الْمَوْلُودِ فِيهَا فَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْفَرِيقَيْنِ. فَإِذَا كَانَتْ الْقَابِلَةُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ انْزَاحَ هَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ. وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ الْمَوْلُودَ يَتَحَفَّظُ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْقَابِلَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي كُلِّ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي لَهُ قَدْرُ وَبَالٍ.

فَإِذَا خَرَجَ الْمَوْلُودُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى ضَوْءِ الدُّنْيَا وَجَبَ الشُّكْرُ لِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ فِي خَطَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهَا مِنْ مَالِهَا إلَّا الثُّلُثُ لِمَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَسَلَامَتُهَا نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ شَامِلَةٌ يَجِبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ، وَشُكْرُهَا امْتِثَالُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاجْتِنَابُ نِعَمِهِ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَأَنَّهَا وُهِبَتْ عُمْرًا جَدِيدًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا خَرَجَ صَحِيحًا سَوِيًّا غَيْرَ نَاقِصٍ فَهَذِهِ نِعْمَةٌ ثَانِيَةٌ يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبِ وَأَقَارِبِهِ وَمِنْ الْأُمِّ وَأَقَارِبِهَا عَلَى سَلَامَتِهِمْ مِنْ النَّقْصِ فِي وَلَدِهِمْ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الشُّكْرُ عَلَى تَكْثِيرِ عَدَدِهِمْ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: النِّكَاحُ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ:

أَوَّلُهَا: أَنَّهُ يَغُضُّ الطَّرْفَ.

وَالثَّانِي: يُحْصِنُ الْفَرْجَ.

وَالثَّالِثُ: يُكْثِرُ النَّسْلَ.

وَالرَّابِعُ: يُبْقِي الذِّكْرَ.

وَالْخَامِسُ: يُبْقِي الْأَثَرَ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمَوْلُودُ فَقَدْ كَثُرَ بِهِ الْعَدَدُ وَرُفِعَ بِهِ الذِّكْرُ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَالْأَثَرُ إنْ كَانَتْ أُنْثَى فَيَتَعَيَّنُ الشُّكْرُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ وَرَدَ: «أَكْثِرُوا مِنْ الْعَائِلَةِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ بِأَيِّهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>