بَعْدَ النَّقْصِ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ غِشٌّ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ فِي عَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُقَطَّعَ عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فَيَجِدَهُ إحْدَى وَثَلَاثِينَ فَيَأْخُذَ الزَّائِدَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُخْبِرَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَلَا يَذْكُرُ لَهُ الزِّيَادَةَ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ غِشٌّ أَيْضًا.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْخِرْقَةَ قَاسَهَا قِيَاسًا وَاسِعًا وَافِيًا فَيُرْخِي الْخِرْقَةَ أَثْنَاءَ الْقِيَاسِ حَتَّى تَنْقُصَ عَلَى بَائِعِهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَفْعَلُ عَكْسَهُ إذَا بَاعَهَا لِلْمُشْتَرِي مَطَّهَا وَشَدَّ يَدَهُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْقِيَاسِ فَيَزِيدُ قِيَاسُهَا لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَتَنْقُصُ عَلَى مُشْتَرِيهَا مِنْهُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَهَبُ لِلْمُشْتَرِي زِيَادَةً بَعْدَ قِيَاسِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِذَا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي وَقَاسَهَا وَجَدَهَا مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ نَاقِصَةً عَنْ حَقِّهِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْخِيَانَةِ وَالْخِلْسَةِ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مُسَاوَمَةً، وَإِنْ تَحَقَّقَ شِرَاءَهَا فَهُوَ أَحَلُّ لَهُ وَأَبْرَكُ، وَإِنْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً جَازَ ذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يَعْتَوِرُهُ فِي الْبَيْعِ مُرَابَحَةً أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَالِبًا لَا يُعْطِي مِنْ الرِّبْحِ مَا يَخْلُصُ الْبَائِعُ فَيَخَافُ أَنْ يُكَذِّبَهُ فَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ فَإِنْ بَاعَ مُرَابَحَةً فَلْيَتَحَرَّ الصِّدْقَ وَلْيُخْبِرْ بِشِرَائِهَا دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ.
وَيَنْبَغِي لَهُ مِنْ بَابِ الْكَمَالِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْظُرَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَاعَهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْضَاهُ لَهُمْ.
لِمَا وَرَدَ «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» فَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا يَسْتَرْشِدُهُ لِنَفْسِهِ يَبِيعُهُ لَهُمْ وَمَا لَا يَسْتَرْشِدُهُ لَا يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ وَهَذَا حَقِيقَةُ النُّصْحِ وَعَدَمِ الْغِشِّ.
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَأَحْوَالُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَا يَأْخُذُهَا حَصْرٌ.
لَكِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ تَجْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا تَرْضَاهُ لِنَفْسِك تَرْضَاهُ لَهُمْ وَكُلَّ مَا تَسْخَطُهُ لِنَفْسِك تَسْخَطُهُ لَهُمْ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْلِسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute