مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَالْمَاشِي الْخَلْوَةُ حَاصِلَةٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَهُمَا يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعُلُومِ أَوْ الْأَعْمَالِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَالْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي فَإِنْ تَوَقَّعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالْخَلْوَةُ أَوْجَبُ وَلْيَأْخُذْ طَرِيقًا غَيْرَ تِلْكَ أَعْنِي أَنَّهُ يَبْعُدُ عَمَّنْ هَذَا حَالُهُ وَلَكِنْ يَخْلُو بِنَفْسِهِ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ رَاكِبًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحْمَلٍ وَمَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ رَاكِبٌ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ رَاكِبٌ فِي الْبَحْرِ فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَحْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاشِي سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فِي مَحْمَلٍ مَعَ رَفِيقٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَاشِي مَعَ رَفِيقٍ فَإِنْ تَوَقَّعَ ضِدَّ مَا ذُكِرَ فَالِاشْتِغَالُ عَنْهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ مُتَعَيَّنٌ، وَلَوْ جَهَرًا بَلْ الْجَهْرُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ يَنْقَطِعُ كَلَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَدْ يَقْتَدِي بِهِ فَيُؤْجَرُ هَذَا إنْ كَانَ الرَّفِيقُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوْرَادِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْآخَرُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَمَلِ فَالْإِسْرَارُ فِي حَقِّهِ مُتَعَيَّنٌ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ بِسَبِيلِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْخَيْرِ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ لِلزَّمَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَفَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا يُنَافِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَطَالَةِ الْوَقْتِ وَالْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي غَالِبًا.
، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ الْمَاشِي وَالرَّاكِبُ مِنْ رَمْيِ الطُّيُورِ بِالْبُنْدُقِ وَالْمَقَالِيعِ وَالْحَذْفِ بِالْحَجَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهَا، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهَا بِهِ مَا لَمْ تُدْرَكُ ذَكَاتُهَا مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيهَا وَهُوَ نَادِرٌ قَلَّ أَنْ يَقَعَ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّمْيَ بِالسِّهَامِ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عَلَى مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا انْتَفَعَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا آثَرَ بِهَا مَنْ يَحْتَاجُهَا فَلَهُ الثَّوَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْتِ وَسَفَرُهُ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute