نَوَاهُ لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَشُوبُهُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ رَاكِبًا فِي الْبَحْرِ فَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِالطَّاعَةِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ إذْ إنَّهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِأَجْلِ مَا يُتَوَقَّعُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْأَهْوَالِ وَالْأَخْطَارِ مِمَّا جَرَى فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لِيَحْجِزَهُ عَنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَيَحُثَّهُ عَلَى دَوَامِ الْإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ وَذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى صِحَّةِ نِيَّتِهِ وَعَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ فَلَا يُدَنِّسُهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُنَاسِبُهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ فِي أَوَانِ الْخَوْفِ مِنْهُ غَالِبًا فَلَوْ رَكِبَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ رُكُوبُهُ فِيهِ ثُمَّ هَاجَ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي الْمَرْكَبِ وَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالضَّرَاعَةِ وَالِاسْتِكَانَةِ إذْ لَعَلَّ مَا أَصَابَهُمْ يَكُونُ بِسَبَبِ ذَنْبٍ وَاقَعَهُ بَعْضُهُمْ عُوقِبَ الْجَمِيعُ بِهِ فَإِذَا حَصَلَتْ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ وَالِاضْطِرَارُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَمْتَثِلُونَ السُّنَّةَ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ بِنِيَّةِ رَفْعِ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ فَيُعْطُونَهَا لِفُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَوِيَ الرَّجَاءُ فِي خَلَاصِهِمْ وَإِغَاثَتِهِمْ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكْتُبُ الصَّدَقَةَ الَّتِي تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِهَا دُونَ أَنْ يُعْطُوهَا لِأَحَدٍ إذْ ذَاكَ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُمْ بَلْ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الْبَلَدِ فَإِذَا وَصَلُوا إلَيْهَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمْ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْطِئُ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ بَعْضَهَا وَيُمْسِكُ بَعْضَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُخْرِجُ هَذَا وَلَا هَذَا، وَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ تَعَمَّرَتْ بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْهُ بَرِيئَةً فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ أَخْرَجُوا مَا ذَكَرُوهُ بَعْدَ وُصُولِهِمْ إلَى الْبَلَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ النَّذْرِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا كُشِفَ عَنْهُمْ فِي الْمَرْكَبِ إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ فَضْلِ اللَّهِ لَا بِسَبَبِ صَدَقَتِهِمْ.
وَقَدْ وَقَعَ بِنَا بَعْضُ هَذَا فِي الْمَرْكَبِ الَّذِي جِئْنَا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute