للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي شامة على أصحاب القول الأول.

ثالثًا: إذا كان الاتباع هو التأسي، فإنه يصح أن يقال: إن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفعل المجرد مستحب وليس بواجب، ولكن هذا القول لا يستلزم القول بأن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله مطلقًا مستحب وليس بواجب.

وبيان ذلك أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إليه ليست كلها واقعة على جهة الندب، بل منها ما وقع في حقه واجبًا، ومنها ما وقع في حقه خاصًا به.

واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصح حمله على اتباعه في الفعل المجرد فقط، بل اتباعه يشمل الأفعال كلها، وهذا على القول بأن الاتباع لا يكون إلا في الأفعال فقط.

رابعًا: بناء على ما سبق فإن الاتباع في الفعل المجرد مستحب، ولكن ما حكم الاتباع في الفعل الواجب عليه - صلى الله عليه وسلم -؟ أهو واجب أم مستحب.

على الطريقة الأولى لا إشكال في وجوبه (١)، ولا يمانع فيه أصحاب الاتجاه الثاني، لكن ما هو وجه الاتباع فيه: إن قال بالوجوب فقد خالف ما قرره (٢)، وإن قال بالندب فقد خالف مقتضَى الإجماع (٣)، فليس له إلا أن


(١) ذهب القاضي عبد الجبار المعتزلي في المغني في أبواب التوحيد والعدل (١٧/ ٢٧٥) إلى أن التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يفعله لغرض خاص، أو ممتثلًا لا يصح، وهذا غير صحيح، وسبب القول بذلك الخلط بين سبب الوجوب وبين وجوب الاتباع فيما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - امتثالًا، فإن وجوب الفعل في حقنا بالأمر لا ينفي اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحصول الفعل على الصورة التي وقع بها الامتثال من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) من أن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحب وليس بواجب.
(٣) من أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفة الوجوب لا يكون في حقنا على الندب، (وقصدي =