للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول وجوب الفعل لم يثبت في حقنا بفعله، بل ثبت الوجوب بدليل قولي، فإن قال ذلك: قيل له: أنتم ذكرتم أن الاتباع هو الموافقة في الصورة الظاهرة دون الحكم، فالذي فعل ذلك الفعل لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فعله؛ لما أوقعه على وجه الوجوب كان متابعًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ فإن قال لا خالف ما ذهب إليه (١)، وإن قال نعم خالف ما ذهب إليه (٢).

ولا مخرج من هذا إلا بالقول بوجوب الاتباع على طريقة أصحاب الاتجاه الأولى من اشتراط الموافقة في حكم الفعل.

خامسًا: لا يلزم من القول بوجوب الاتباع القول بأن الأفعال النبوية ليست أدلة بمجردها، وأنه لابد من اشتراط معرفة الوجه، لما أورده أبو شامة من إلزامات، يُوافق عليها، بل يكفي في ذلك أن تحمل على الندب حيث لا دليل يتناول الفعل من الخارج.

سادسًا: القول بوجوب الاتباع هو المناسب لما ورد من آيات فيها الأمر بالاتباع، فحمل كل تلك الآيات على الندب - كما يذهب إليه أبو شامة - مجازفة عظيمة، وبالرجوع إلى أقوال المفسرين لم أجد من فسر مثلًا قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: ٣١] بأنها على الاستحباب، لكنهم يذكرون معنى غير الذي يذكره أهل الأصول، وهو اتباع شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -


= بالإجماع هنا الاتفاق بين طرفي الخلاف في هذا المعنى).
(١) من أن المتابعة يكفي فيها الصورة الظاهرة فقط.
(٢) من كون اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون واجبًا.