ونظيره ما يذكره الأصوليون من أن ما ينقل على سبيل التواتر لا يكفي فيه نقل الآحاد.
فمن ذلك أنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الغائب على غير النجاشي، أو أنه كرر العمرة قبل خروجه إلى عرفات.
ومن ذلك أيضًا أنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب في حجة الوداع إلى موضع تحنثه في غار حراء ولا ذهابه إلى غار ثور.
فكل ذلك مما يستفيض العلم به لو حصل، ويستحيل أن يصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينقله واحد - والأحكام الشرعية متعلقة بمثل ذلك - لو حصل - ومع ذلك ينقل ما هو أقل من ذلك بكثير في الشأن، فكل ذلك يقوي القول بعدم حصول مثل ذلك (١).
ومن ذلك: أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك مال الكعبة ولم بقسمه، فاستدل به شيبة بن عثمان - رضي الله عنه - على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما أرد أن يقسمه، وبيان ذلك فيما ورد عن شقيق عن شيبة يعني ابن عثمان قال: قعد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في مقعدك الذي أنت فيه فقال:"لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة"، قال: قلت: "ما أنت بفاعل"، قال:"بلى لأفعلن"، قال: قلت: "ما
(١) هذه الأمثلة - عدا مثال صلاة الغائب - جعلها الدكتور الأشقر من النوع الأول، والأولى أن يكون ذلك من هذا القسم إذ إنه أقوى في الدلالة من النوع الأول ولذا فقد حصل الخلاف في مثاله ولم يحصل الخلاف في الأمثلة المذكورة هنا على ما أعلم، وهذه الأمثلة وغيرها قد طول الكلام عليها وفصلها واستدل بها ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص ٣٦٠) وما بعدها.