الأول، وهو وجود قواعد لها فروع، لكن يعتور ذلك أمران: أحدهما: أن تكون الفروع غير صحيحة في ذاتها؛ بل أتَوا بها لمجرد توضيح القاعدة، والآخر: أن تكون الفروع صحيحة، لكنهم يقتصرون على فروع معيَّنة تدور عليها كتب الأصوليين، وكأنه لا يوجد غيرهما في الكتاب والسنة وأقوال السلف، إلى غير ذلك من أساليبهم في التأليف.
وقد درج هذا الأسلوب عند الأصوليين من القديم إلى الحديث، حتى سمعت بعض الباحثين في الأصول يقول:"إذا لم تكن الكتابة في الأصول ذات عبارات صعبة ومعقدة ومغلقة تحتاج لبسط وشرح، فليست كتابة أصولية ... " هكذا قال؛ فسبحان الله، وهل أول كاتب لعلم الأصول الإمام الشافعي كانت كتابته كذلك؟! وهل علم الأصول إلا علم خادم للفهم والاستنباط؟ فإذا كانت هذه صفته، فكيف يؤدي غرضه؟ أليس أعظم كتاب وأنفعه للبشرية حتى كان دستورها العظيم، وقرآنا يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، ذو أسلوب سهل سلس يفهمه القاصي والداني؟
ولقد عاب عليَّ أمثال هذا المتحدِّث حينما التزمت في رسالتي للدكتوراه، وفي بعض أبحاثي، أن تكون كتابتي في الأصول سلسة مدعَّمة بالأمثلة الواقعيَّة التي تظهر القاعدة وتوضحها - وأرجو أن أكون وفقت في ذلك - فقال لي غير واحد: لقد خرجت عن الأصول إلى الفقه، بل إلى الفقه المقارن، لماذا لا تذكر المثال وتمضي، فالمهم هي القاعدة الأصولية؟ قلت: عجبًا من مثل هذا الكلام! وهل غرض القاعدة الأصولية سوى التمثيل والتطبيق؟ ألم يقل الإمام الشاطبي: "كل مسألة موسومة في أصول الفقه لا يبنى عليها فروع فقهية،