للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ورد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيِّنة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها" (١).

ففي هذا الحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر خبرًا صادقًا - ولا شك - من تصديق عويمر أو تكذيبه فجاء النعت على تصديق عويمر، ومع ذلك لم يرجمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك العمل بما يعلم لأجل أن الشرع لم يبح له أن يعمل بعلمه في ذلك، بل سماه بغير بيِّنة، وفي هذا دليل على أن القاضي لا يجوز له إقامة الحدود بناء على علمه، الذي هو أوثق عنده من البينات والشهود، بل كان بلا بيِّنة.

ولذا "فلا خلاف بين فقهاء المذاهب في أن القاضي لا يجوز له القضاء بعلمه في الحدود الخالصة لله تعالى كالزنى وشرب الخمر؛ لأن الحدود يحتاط في درئها، وليس من الاحتياط الاكتفاء بعلم القاضي، ولأن الحدود لا تثبت


= (مقدمة فتح الباري، ص ١٢٢)، وخدلج أي: ممتلئ الساقين (مقدمة فتح الباري، ص ١١٦)، وأحيمر بالتصغير: قال ثعلب: المراد بالأحمر الأبيض لأن الحمرة إنما تبدو في البياض، وقوله: وحرة: بفتح الواو والراء: دويبة تترامى على اللحم والطعام فتفسده وهي من نوع الوزغ [فتح الباري (٩/ ٣٦٣)].
(١) رواه ابن ماجه (٢/ ٨٥٥ / ٢٥٥٩) كتاب الحدود، باب من أظهر الفاحشة، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بهذا اللفظ، ورواه البخاري (١٢/ ١٨٧ / ٦٨٥٥) كتاب الحدود، باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة، ومسلم (٢/ ١١٣٤ / ١٤٩٧) كتاب اللعان أن ابن عباس - رضي الله عنهما - ذكر المتلاعنين فقال عبد الله بن شداد: أهي التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجمًا امرأة من غير بينة"؟ قال: لا تلك امرأة أعلنت، وهذا لفظ البخاري.