لم أعلم أحدًا من الفقهاء قال ذلك (١)، وليس هذا مدلول القول ولا لازمه، ومن ثَمَّ: فجعل إخراجها من ماله وإن لم يوص من لازم القول بأن مذهب طائفة من فقهاء التابعين بوجوبها إذا تركه: أمر فيه سوء فهم على أحسن الأحوال، وإلا فهو تدليس قبيح.
خامسًا: لم يقل أحد من أهل العلم قط إن ولي الأمر إذا أمر بمباح لأجل المصلحة العامة فإن أمره ينشئ حكمًا شرعيًّا، فإن العجب لا ينقضي من قائل هذا القول، وإنما قال أهل العلم: أنه يجوز لولي الأمر أن يقيد المباح أو يأمر به على ما يراه من المصلحة العامة، وباب ذلك هو المصلحة المرسلة، فتقييد المباح أو الأمر به له شروط عند القائلين بجواز ذلك، وهي الشروط التي ذكرناها لاعتبار المصالح المرسلة، مع التنبه إلى أن أكثر أهل العلم على المنع من ذلك، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
أما أن يكون ذلك مؤديًا إلى إنشاء حكم شرعي فحاشا لله أن يقوله أحد يدرك معنى ما يقول، فإن منشئ الأحكام الشرعية هو الله وحده، بلغناها على لسان رسله لم يخالف في ذلك أحد من العلماء قاطبة.
إذن فليس لهذا القانون أي سند شرعي أو شبهة استناد، فأي مذهب
(١) أقصى ما وجدته مما يشبه ذلك هو ما ذكره ابن القيم من أنه على القول بوجوب الوصية للأقربين: لو أوصى للأجانب دونهم فهل لهم أن يبطلوا وصية الأجانب ويختصوا هم بالوصية كما أن للورثة أن يبطلوا وصية الوارث أم يبطلوا ما زاد على ثلث الثلث ويختصوا هم بثلثيه [جامع الفقه (٥/ ٨)] ولا يخفى أن هذا الكلام فيما إذا أوصى، وما نحن فيه فيما إذا لم يوصِ.