واعلم أن العلماء اختلفوا في محل السجود على مذاهب، فقال الإمام أبو حنيفة: كله بعدي، وقال الإمام الشافعي: كله قبلي، وقال الإمام أحمد: يسجد قبل حيث سجد صلى الله عليه وسلم قبل، وبعد حيث سجد صلى الله عليه وسلم بعد، وما عداهما كله قبل زيدا أو نقصا، وقال إمامنا مالك: يسجد للنقص قبل، وللزيد بعد، ولاجتماعهما: قبل، تغليبا للنقص، ولهذا قال: سن لسهو؛ يعني أنه يسن السجود قبليا أو بعديا لأجل جبر خلل حصل بسهو غير مستنكح، فإن استنكحه الشك ندب كما يأتي، وإن استنكحه السهو فلا سجود كما يأتي. واعلم أن الأصل في الجابر أن يؤتى به عند مجبوره، وأُخِّرَ سجود السهو عن محله؛ إذ لو أتي لكل سهو بسجوده عنده لربما تكرر سهوه، وشق عليه فخفف عنه لطفا به وإن تكرر؛ يعني أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر موجبه، بل يكتفى بسجدتين حيث كان تكرر الموجب قبل السجود للسهو، فيخرج مسبوق أدرك مع إمامه ركعة وسجد مع الإمام قبليا، ثم بعد مفارقته لإمامه سها هو، فإنه يسجد لسهوه أيضا، ولا يكتفي بالأول على المشهور. ويخرج أيضا من سجد لنقص قبل سلامه، ثم تذكر أنه بقي عليه شيء منها فأتمه وسها فيه، فإنه يسجد ثانيا، ويخرج أيضا من سجد لسهوه قبل السلام، ثم تكلم ساهيا قبل سلامه، فإنه يسجد بعد السلام، ويخرج أيضا من سجد القبلي ثلاثا سهوا، فإنه يسجد بعد السلام عند اللخمي، وقال غيره: لا سجود عليه، وأما البعدي إذا سجده ثلاثا سهوا فإنه لا يسجد أصلا، وفي الرهوني: أن ما للخصي خلاف المعتمد. وبما قررت علم أن محط البالغة قوله:"سجدتان" كما يأتي إن شاء الله.
بنقص سنة متعلق بسهو، والباء للملابسة. كما في الشبراخيتي؛ يعني أن الساهي المخل بأمر من صلاته لا يخلو، إما أن يزيد فيها أو ينقص منها شيئا، فإن كان سهوه بنقص فينظر في ذلك، فإن نقص سنة فإنه يسجد بشرط أن تكون مؤكدة. كما أشار إلى ذلك بقوله: موكدة، واحترز بقوله:"سنة" عن الفضيلة، فإنه لا يسجد للسهو عنها، فإن سجد له قبل بطلت صلاته -كما سيأتي- وعن الفريضة فإنه لا يسجد لها لعدم جبرها بالسجود، بل يتدارك أو يبني إن أمكن وإلا بطلت -كما يأتي- واحترز بقوله:"مؤكدة" عن غير المؤكدة، فإنه لا يسجد لها، ومن