للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُغْوِيَكُمْ}، وقوله: "يؤم"؛ أي في الفريضة في الجملة؛ بأن يكون ذكرا محققا بالغا عاقلا متوضئا، فلا يسجد مستمع امرأة، وصبي، وخنثى مشكل، ومجنون، ولا محدث أصغر على المعتمد، خلافا لمن قال: يسجد المستمع، وإن كان القارئ على غير وضوء، وعلى القول بإمامة الصبي في النافلة ينبغي أن يسجد مستمعه. قاله الحطاب. وأدخل بقوله في الجملة سجود مستمع غير عاجز من متوضئ عاجز عن ركن، ومستمع من مكروه الإمامة، وكذا من فاسق بجارحة على المعتمد. وثالثها: قوله: ولم يجلس القارئ ليُسْمَعَ بضم أوله مضارع الرباعي؛ يعني أنه إنما يسجد المستمع إن لم يجلس القارئ ليسمع الناس حسن قراءته. وقوله: "ليسمع" بالبناء للفاعل والمفعول، فإن جلس القارئ ليسمع فلا يسجد المستمع له لأن شأن ذلك الرياء، وإن كان إسماعه لهم حسن قراءته قد يكون لقصد إدخال الخشوع عليهم، وزيادة إيمانهم. وقد مر أن المستمع من فاسق بجارحة يسجد، ولعل المانع من سجود مستمع هذا أن فسقه متعلق بذات القراءة فأشبه الفسق المتعلق بذات الصلاة، وأما القارئ الذي جلس ليسمع فإنه يسجد، كما قاله غير واحد، وجعله السنهوري شرطا في سجود القارئ أيضا، ونحوه لأبي الحسن في شرح الرسالة، والظاهر من العبارة الأول، وزاد اللخمي في شروط المستمع أن يسجد القارئ وأن يقرأ جهرا انتهى. أما الأول فهو ضعيف؛ لأن المصنف رد عليه بقوله: ولو ترك القارئ، وأما الثاني فيؤخذ من قول المصنف ليتعلم؛ إذ لا يمكن التعلم إلا مع القراءة جهرا، قاله الشيخ إبراهيم، ويسبح الساجد في السجدة أو يدعو، وفي الحديث: (اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داوود (١)). وقوله: كما قبلتها؛ أي السجدة لا بقيد كونها للتلاوة، وفي الحديث أيضا: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته (٢))


(١) الترمذي، أبواب السفر، رقم الحديث: ٥٧٩. وفيه: "وتقبَّلها منى كما تقبَّلتها".
(٢) أبو داود، أبواب السجود، رقم الحديث: ١٤١٤. مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث: ٧٧١.