واعلم أن من الآفات في الإمامة طلبها لغير عذر شرعي لما فيها من التصدر والتقدم على الناس في أشرف العبادات، فيسرع إلى صاحبها الكبر والعجب والرياء وغير ذلك كطلب المحمدة من الناس، وإعظامهم له، وأم أبو عبيدة بن الجراح قوما مرة فلما انصرف قال ما زال الشيطان بي حتى رأيت أن لي فضلا على غيري، لا أؤم أبدا. وصلى حذيفة رضي الله عنه بقوم فلما سلم قال: لتلتمسن إماما غيري، أو لتصَلُّنَ وحدانا، إني رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني، وكانت الصحابة يتدافعون الإمامة، وكان بشر بن الحارث يقول: من أراد سلامة الدنيا وعز الآخرة فليجتنب أربعا: لا يُحَدِّثْ، ولا يَشْهَدْ، ولا يَؤُمَّ، ولا يفت. وفي قوت القلوب: اجتمع قوم من الصحابة في منزل أحدهم، وقاموا إلى الصلاة فجعل ابن مسعود يقدم أبا ذر، وأبو ذر يقدم عمارا، وعمار يقدم حذيفة، فلم يتقدم واحد منهم، فأمروا مولى لأحدهم أن يتقدم فيصلي بهم، ومن الآفة في الإمامة أيضا التأبي من الإمامة لغير ضرورة؛ لأنها من المراتب الشريفة، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة يوم القيامة على كثبان المسك لا يخافون إذا خاف الناس ولا يفزعون إذا فزع الناس حتى يقضى بين الخلائق: رجل أمَّ قوما وهم له راضون، ورجل أذن في مسجد سبع سنين ابتغاء وجه الله تعالى، وعبد مملوك ابتلي بالرق في الدنيا فأطاع الله وأطاع مواليه فأدى حق الله وحق مواليه).
والمشهور عندنا أن الإمامة أفضل من الأذان، وليجتنب تدافعها بعد الإقامة لما روي (أن قوما تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم)، وإذا تأبى عنها لضرورة فليس في ذلك آفة، وَمِنْهَا التكلف لها في القراءة ونحوها، بأن يفعل من أمور الصلاة ما لا يفعل إن صلى وحده، وهذا يدل على دخول الرياء، ومنها أيضا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وإن كان مذهبه عدم الوجوب، ووجوبها في الصلاة مذهب الإمام الشافعي، وقال بوجوبها ابن المواز من أيمتنا، قاله ابن زكري.
وحاصل ما مر أنه لا يطلبها لغير عذر، ولا يأبى عنها لغير عذر. والله أعلم. وفي التنبيه: اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي من صلى من الخمس صلاة ولم