للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وركع من خشي فوات ركعة دون الصف؛ يعني أن المسبوق إذا ركع إمامه قبل أن يدخل في الصف، فإنه يركع أي يحرم ندبا، ويركع دون الصف كما يفيده كلام المدونة وابن الحاجب، وجوازا كما يفيده كلام ابن رشد وابن عرفة: وإنما يركع دون الصف حيث خشي فوات الركعة إن لم يحرم وتمادى إلى الصف. وقوله: "دون الصف". متعلق بركع، وقوله: "وركع"؛ أي لأن إدراك الصف والركعة معا خير من إدراك الصف فقط إن ظن إدراكه قبل الرفع، شرط في قوله: "وركع". والضمير في إدراكه عائد على الصف؛ يعنى أن محل ركوع من خشي فوات ركعة دون الصف، إنما هو حيث ظن أنه يدرك الصف في دبيبه بعد إحرامه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، وأما إن لم يظن إدراك الصف قبل الرفع فإنه يتمادى؛ أي يترك الركوع ويذهب إلى الصف، ولو كان تفوته الركعة ولم يبح له أن يركع دونه: فإن فعل أساء وأجزأته ركعته. وقوله: "وركع من خشي" الخ، روى أشهب أنه لا يكبر حتى يأخذ مقامه من الصف. ولابن القاسم أنه يركع دون الصف ويدرك الركعة، فرأى المحافظة على الركعة أولى من المحافظة على الصف، وهذا في غير الأخيرة، وأما هي فيركع ليلا تفوته الصلاة، كما قاله اللخمي. قال الحطاب: وهذا تقييد حسن لا ينبغي أن يختلف فيه: وصرح ابن عزم بالاتفاق عليه، وفي الصحيح: (من وصل صفا وصله الله (١)).

واعلم أن أقسام هذه المسألة ثلاثة: أحدها: أن يكون بعيدا بحيث لا يجوز له الدب لكثرة المشي القتضية للبطلان، وحكمه أن لا يركع، ويتقدم للصف. ثانيها: أن يكون قريبا بحيث يكون مشيه لا يفسد الصلاة ولكن لا يظن إدراك الصف. قيل: فهذا لا يجوز له أن يركع دون الصف، فإن فعل أجزأته ركعته، وقد أساء. كما مر. ثالثها: أن يكون قريبا بحيث لا يفسد مشيه الصلاة؛ وهو يظن إدراك الصف قبل رفع الإمام رأسه، فإنه يركع دونه وهو منطوق المصنف، ولهذا قال: يدب كالصفين؛ يعني أنه إنما يركع دون الصف بحيث يكون المشي إليه قريبا لا يفسد الصلاة، وذلك بأن يدب بكسر الدال مقدار ثلاثة صفوف لا يحسب الذي خرج منه، ولا


(١) أبو داود، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٦٦٦. والنسائي، كتاب الإمامة، الحديث: ٨١٩.