لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة، وهو أحد المجتهدين الأربعة الذين اجتمعوا في عصر واحد من أئمة مذهب مالك ولم يجتمع في زمن مثلهم: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد بن المواز، ومحمد بن سحنون، ومحمد بن عبدوس توفي ابن عبد الحكم عام ثمانية وستين ومائتين، وابن سحنون سنة خمسين ومائتين، وكان نظير أبيه في الصلاح والعلم ريئ في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال زوجني خمسين حوراء لما علم من حبي للنساء، وتوفي ابن عبدوس سنة ستين ومائتين وهو من كبار أصحاب سحنون صلى الصبح بوضوء العتمة ثلاثين سنة وهو مؤلف المجموعة.
وأما الواضحة فمؤلفها الفقيه النبيل الفاضل المتفنن الجليل أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون من ذرية سيدنا العباس بن مرداس السلمي الصحابي كان عبد الملك عالم الأندلس وشيخ مشايخها سمع من الأخوين وابن نافع وابن أبي أويس وعبد الله بن عبد الحكم وابن المبارك وأصبغ وأسد بن موسى وجماعة سواهم، قال بعضهم رأيته يخرج من الجامع وخلفه نحو ثلاثمائة بين طالب حديث وفرائض وفقه وإعراب، وكان فصيحا لغويا إخباريا نحويا عروضيا شاعرا حاذقا مؤلفا متقنا صواما قواما، وقد رتب الدول عنده كل يوم ثلاثين دولة لا يقرأ عليه إلا كتبه والموطأ، ولما نعي إلى سحنون استرجع وقال مات عالم الأندلس بل والله عالم الدنيا، ولما دنا من مصر في رحلته لقي جماعة من أهلها بارزين للقاء الركب على عادتهم وكانوا كلما رأوا رجلا ذا هيئة تفرسوا فيه وقضوا بفراستهم، فلما رأوه وكان ذا منظر جميل قال قوم هذا فقيه وقال آخرون بل شاعر وقال آخرون طبيب، ولما كثر اختلافهم تقدموا إليه وأخبروه بشأنهم فقال كلكم قد أصاب وكل ما قلتم أحسنه والخبره تكشف الحيره، والامتحان يجلي عن الإنسان، فلما حط رحله شاع خبره وقعد إليه كل ذي علم يسأله عن فنه وهو يجيب جوابا محققا فعجبوا وأخذوا عنه وعطلوا مجالس علمائهم وألف الواضحة في الفقه والسنن قال بعضهم لم يؤلف مثلها، قال الشيخ الهلالي وقع للحطاب أن ابن حبيب تفقه بابن القاسم وذلك سهو منه لأن ابن القاسم مات قبل رحلة ابن حبيب، نعم أخذ عن أصبغ فاعلم ذلك انتهى.