للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحتملهما معا، والمراد بالثاني ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، ومنه خبر الموطإ: (كان إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت (١) والميت: بمثناة تحتية ساكنة وتشدد، وأما الحي فبالتثقيل لا غير؛ أي وصف الحي بأنه ميت حكما، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، وروى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم بالعباد والبلاد من الأذى والضنك والجهد ما لا يشكى إلا إليك، أنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا الضرع وأسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك فإنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا (٢)). انتهى. قاله الشيخ إبراهيم.

والمغيث: الذي يحيي الناس وينجيهم من الشدة، والمَريع: المخصب الناجع في المال والماشية من المراعة، مرع المكان كثر نبته، والغدق: الكثير، والمجلل: الذي يستر الأرض بمائه أو بالنبات؛ أي الذي ينبت كأنه يكسوا الأرض، والطبق: الذي يطبق الأرض أي يعم وجهها. وقوله: دائما؛ وفي بعض الروايات: ديما، جعع ديمة، وهو مطر يدوم مع سكون، وفي رواية: غير رائث؛ أي غير بطيء، ويكون الدعاء جهرا كما في الطراز. وذكر الزرقاني: أنه يدعو سرا؛ ولا يرفع يديه لسماع ابن القاسم: لا يعجبني رفع يديه في الدعاء. قاله الشيخ إبراهيم. وفي شرح الشيخ عبد الباقي: وندب جهر الإمام بالدعاء، خلافا للشافعي، ويؤمن من قرب منه على دعائه. انتهى. ويرد على ما للشيخ إبراهيم ما رواه في التيسير عن الستة إلا الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: (أصابت الناس سنة، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، [إذ قام (٣)] أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك الماء وضاع العيال فادع لنا فرفع يديه -وما نرى في السماء قزعة- فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم يزل على المنبر حتى رأيت السحاب يتحادر عن لحيته؛ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه


(١) الموطأ، كتاب الاستسقاء، رقم الحديث: ٤٤٩.
(٢) الإتحاف، ج ٣ ص ٤٤٥.
(٣) التيسير، ج ٢ ص ٢٢٢.