بمقداره قد تعين، والاحتياط في التقدير هنا أهم، والأخذ بالاحتياط أحسن وأتم. انتهى. وقد ذكر بعض العلماء: أن من استغفر لمظلومه دبر كل صلاة خمسا فقد وفى حقه، وهذا في باب الغيبة لا فيما له عين، والذمي كالمسلم في عرضه وماله ونفسه وأهله؛ لأنه على ذلك عُوهِدَ، ويجزئ في السيئات المجردة عن المظالم وتضييع الأعمال الواجبة الاستغفار، ولا يكفي في غيرها إلا الإتيان به، كالفوائت من الصلوات والزكاة والصيام، وغير ذلك فيأتي به على وجه لا ينقطع، فلا يتكلف ما لا يطيق الدوام عليه، والحج المبرور كالتوبة يسقط المخالفة لا الحقوق، ابن تيمية: من اعتقد أن الحج يسقط ما أوجب الله من الصلاة والزكاة فإنه يمستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يسقط حق الآدمي من دم أو مال أو عرض بالحج إجماعا، وفي الحديث:(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (١))، والتوبة واجبة على الفور بلا خلاف، ولا قائل إنها على التراخي فيجب من تأخيرها التوبة، فيلزم بتأخير التوبة عن معصية لحظة ذنب آخر، وهو ذنب التأخير المحرم بالإجماع، فتجب التوبة من هذا التأخير أيضا. فبتأخير التوبة عن الكبيرة زمنا واحدا تلزم كبيرتان: المعصية، وترك التوبة منها، وزمنين أربع: الأوليان، وترك التوبة من كل منهما، وثلاثة أزمان ثمان كبائر، وأربعة أزمان ست عشرة كبيرة، وخمسة أزمان اثنان وثلاثون كبيرة؛ وهكذا تتضاعف الكبائر. قاله السنوسي. وقال في شرح الجوهرة: قضية كلام أئمتنا رضي الله عنهم أن تأخير التوبة معصية واحدة تجب منها التوبة، ولا تتعدد بتعدد أزمنة الاستمرار عليها، لكن لم أقف على التصريح به في كلام من وقفت على كلامه منهم. انتهى. قال ابن زكري: وبه يزول ما يحصل من ضيق الصدر عند سماع كلام السنوسي ولله الحمد.
وتجب على مدمن الخمر التوبة منه ومن عدم النكير على جلسائه، وذكر الذنب لا يوجب التوبة منه، بل ندبها على الصحيح إن لم يكن فرحا به، فتجب التوبة من فرحه به ورضاه بوقوعه. وأوجب القاضي تجديد الندم كلما ذكر المعصية، ووجه الندب الخروج من خلاف القاضي عياض هذا؛ والخروج من الخلاف مطلوب، واختلف هل الأفضل كثرة ذكر الذنب أو نسيانه؟ انتهى
(١) من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه. البخاري، كتاب الحج، الحديث: ١٣٥٠. ومسلم، كتاب الحج، الحديث: ١٣٥٠. وانظر الإتحاف، ج ٤ ص ٢٧٥.